Site icon IMLebanon

ثغرتان في بيان ناصع

 

شكّل البيان الختامي لمؤتمر «روما -٢» تتمة طبيعية لكل المؤتمرات والقرارات الدولية التي تعنى بلبنان وتشدّد على سيادته واستقلاله وحصرية السلاح فيه، ولكن على رغم نَصاعة البيان بفقراته السيادية إلّا انه لا بدّ من الإشارة إلى ثغرتين لا بدّ من تلافيهما مستقبلاً.

أكد البيان الختامي لمؤتمر «روما ـ 2» المخصّص لدعم القوى العسكرية والأمنية اللبنانية على «الأحكام ذات الصلة من «اتفاق الطائف» وقرارات مجلس الامن 1559 و 1680 و1701، بما في ذلك الاحكام التي تنصّ على عدم وجود أسلحة او سلطة في لبنان بخلاف الدولة اللبنانية ولا قوات أجنبية من دون موافقة حكومته، ولا بيع او توريد لأسلحة ذات الصلة بالاسلحة الى لبنان باستثناء ما تأذن به حكومته»، وأيّد «رؤية الحكومة اللبنانية حيال الجيش اللبناني كمدافع وحيد عن الاراضي اللبنانية والحامي لحدودها، ودور قوى الأمن الداخلي كمفتاح في حصرية استخدام الدولة اللبنانية القوّة»، وناشَد «جميع الاحزاب اللبنانية استئناف النقاش حول استراتيجية الدفاع الوطني مرحّباً بالبيان الصادر في 12 آذار عن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في هذا الاطار».

فلا غبار على بيان أعاد تأكيد حصرية السلاح بيد الدولة وحصرية الدفاع عن الحدود بيد الجيش، ولا غبار على بيان أعاد التذكير بالقرار ١٥٥٩ الذي يشكّل «حالة رعب» للفريق الآخر الذي خَوّن كل من وافق وغطّى إمراره في البيان الختامي، علماً انه لا يمكن شطبه ولا القفز فوقه، ومن الطبيعي تضمينه أيّ بيان ختامي في اعتباره من القرارات ذات الصلة بالقضية اللبنانية، ولكنه، وهذا أمر جيد، تحوّل كابوساً بالنسبة إلى فريق 8 آذار.

وقد أظهرت الفترة الممتدة منذ عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته إلى اليوم مدى حجم الالتفاف الدولي حول لبنان والحرص على استقراره والتشديد على حصرية القرار السيادي داخل مؤسسات الدولة، وهذا إن دلّ الى شيء، فإلى انّ المجتمع الدولي لا يريد بتاتاً منح لبنان هدية للمحور الإيراني، كما انه ليس في وارد التغاضي عن وصاية جديدة، ولكنه في الوقت نفسه يتغاضى عن المشكلة الأساسية التي تحول دون قيام دولة فعلية في لبنان والمتمثّلة بسلاح «حزب الله» ودوره الإقليمي ومرجعيته طهران.

فأولوية الاستقرار في لبنان لدى المجتمع الدولي لا تخدم المصلحة اللبنانية العليا في حال لم تتمّ مواكبتها بسَعي جدي الى إلغاء مفاعيل الثورة الإيرانية، وبالتالي وضع حد للدور الميليشيوي الإيراني الذي بدأ في لبنان مع «حزب الله»، لأنّ كل ما يُبنى على رمل معرّض للسقوط في اي لحظة. فالاستقرار القائم مهم جداً، ومن المهم أيضاً تطويره وتحصينه، ولكنه معرّض للسقوط في اللحظة التي تقرّر فيها طهران نقل لبنان من الاستقرار إلى اللاإستقرار ربطاً بأهدافها ومصالحها وأولوياتها.

والحرص الدولي على الاستقرار في لبنان يعني الحرص على المساكنة مع «حزب الله»، ولكن هذا الحرص لا يجب تحويله في أي لحظة وضعاً ثابتاً ونهائياً، بمعنى تحويل المساكنة القائمة حالة طبيعية، فيما هي غير طبيعية إطلاقاً ومؤقتة في انتظار ان يسلِّم الحزب سلاحه، ولذلك على المجتمع الدولي الابتعاد عن التناقض الذي وقع فيه ضمن البيان الختامي لمؤتمر «روما -٢» في نقطتين أساسيتين:

فالمشكلة تكمن في عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذا الواقع، والسبب في عدم الاعتراف تجنّب او رفض الذهاب إلى المعالجات الجدية التي تستدعي اتخاذ القرارات التي تمنع على أيّ حزب احتكار قرار الدولة.

ولا شك في انّ بيانات من هذا النوع جيدة ومفيدة وتؤكد عمق الاهتمام الدولي بلبنان، ولكن المطلوب من هذا الاهتمام أن ينقل لبنان من حالة اللاحرب واللاسلم إلى حالة السلام الدائم من طريق، إمّا تدويل لبنان واستطراداً تدويل حدوده البرية والبحرية والجوية، وإمّا إنهاء الدور الميليشيوي الإيراني من طريق الحوار مع طهران او القوة، وكل ما عدا ذلك يعني استمرار لبنان والمنطقة في حالة نزاع وشلل وفوضى.