Site icon IMLebanon

حكومتان بلا حكومة وتجاوز النأي بالنفس

 

 

 

مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري كانت صعبة من البداية: تأليف حكومة وحدة وطنية، حيث نسمي الانقسام الوطني والسياسي وحدة وطنية. البقاء تحت سقف النأي بالنفس في مرحلة الاندفاع نحو الفرز الكامل في الصراع الجيوسياسي، حيث المحور المنتصر الذي تقوده ايران يستعجل توظيف نصره في لبنان في مواجهة عقوبات أميركية ضمن استراتيجية كبح النفوذ الايراني. والتمسّك بالتفاهمات التي بنيت عليها التسوية السياسية الرئاسية والحكومية المعرّضة للاهتزاز بالتبدّل في الحسابات.

ومهمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كانت ولا تزال دقيقة: التأكيد على حكومة تعكس نتائج الانتخابات النيابية التي تتباين القراءات فيها. بعضها تركيز على الأرقام تحت عنوان الأحجام والأوزان من دون حساب التحالفات التي قادت اليها. وبعضها الآخر تركيز على التوازنات الطائفية التقليدية بما يجعل موازين المصالح تتقدم على موازين القوى. الشراكة الكاملة في عملية التأليف للمرة الأولى منذ الطائف. والحرص على تمثيل وازن للرئاسة والتيار الحر والحلفاء في حكومة العهد للتمكن من ممارسة دور الحَكم والحاكم معا.

والنتيجة حتى الآن هي أزمة تأليف تدار بطريقة تقود الى أزمات جديدة وعصبيات قديمة. ولدينا حكومتان ضمن حكومة تصريف أعمال تبدو طويلة العمر. واحدة تذهب الى دمشق وتتباحث مع المسؤولين. وأخرى ترفض ما يسمّى التنسيق والتطبيع. لكن الزيارات مستمرة على المستوى الوزاري والأمني، والاتصالات الهاتفية مفتوحة على أعلى المستويات، والسفير السوري في بيروت والسفير اللبناني في دمشق، والمجلس الأعلى المنبثق من معاهدة الأخوة والتعاون حيّ يرزق.

حكومة تطالب بمراجعة التموضع الاستراتيجي للبنان واعادة النظر في بعض العلاقات العربية والدولية وبالتالي الانضمام الى المحور الايراني. وأخرى تركّز على التوازن وحاجة لبنان الى الغرب والعرب، وتستهجن قول قائد الحرس الثوري الايراني الجنرال محمد علي جعفري إن سوريا ولبنان واليمن وفلسطين اختارت نهج المقاومة لتحديد مصائرها، وسيكون النصر حليف شعوبها.

والواقع ان الانقسام ليس جديدا. فهو كان مغطى بسياسة النأي بالنفس. والتسليم بهذه السياسة قام على تجاهل مشاركة حزب الله عسكريا في حرب سوريا الى جانب النظام، وتأييد فريق لبناني آخر للمعارضة. والطرفان داخل السلطة. لكن حسابات الداخل وتطورات المنطقة دفعت الى بروز الانقسام بشدّة. لا بل الى الدعوة المباشرة للخروج من النأي بالنفس.

أما الدعوات الملحّة من كل الأطراف الى الافادة من فرصة مؤتمر سيدر للاستثمار، ومواجهة المخاطر بالحؤول دون الوقوع في الهاوية الاقتصادية والمالية، فانها لا تزال كلاما في الهواء. وليت أصحاب الحسابات يتذكرون اننا في منطقة رمال متحركة وتطورات سائلة.