IMLebanon

مُستحيلان لا يصنعان رئيساً

أحدهم في 14 اذار الذي قال لنا ان الجنرال زمن لا يعمل للجنرال عون، ولا حتى…القضاء و القدر!

هذه حذاقتنا (ام سذاجتنا؟) ان نستدرج القضاء والقدر الى اللعبة الداخلية، لكننا، كما تعلمون، اكبر مصنع للثرثرة في العالم. حتى الان، لا نزال نستذكر غباء البيزنطيين إبان حصار القسطنطينية. ضاعوا في الجدل حول جنس الملائكة، ليس كذكور وإناث، وانما كظواهر ملتبسة بين الحالة الالهية و الحالة البشرية…

كما لو اننا لا نضيع في الجدل حول «جنس» رئيس الجمهورية. امضينا اشهرا، بكل ادمغتنا الفذة، نبحث في مواصفات صاحب الفخامة. هل يفترض ان يكون على شاكلة الفيل ام على شاكلة الشاة، كما لو ان وثيقة الطائف لم تجعل منه بطة عرجاء؟ ربما قنبلة عرجاء. بعضهم يريده، كما خبرنا واختبرنا، بمواصفات الثلاجة. الثلاجة العرجاء…

مللنا من ذلك الجدل العبثي، والتافه. الشرق الاوسط يتناثر، ونحن منهمكون في معرفة قياس قدم رئيس الجمهورية، واين سيضع قدمه، كما لو ان جاذبية المال، او جاذبية الضوء، لا تجعل صاحب الفخامة في لحظة ما يتنقل، حافيا وحافيا، بين محور ومحور، بين بلاط وبلاط…

بعضنا كان يريد للجنرال ميشال عون ان يكون جنرال القصر. هذا الرجل الذي بكفين نظيفتين، يتميز بالرأس اليابس، وهو ما يحتاج اليه لبنان قبل ان يتشظى في لعبة الطوائف او في لعبة القبائل. اقل بكثير من ان تقترب منه لعبة الامم…

لكي يصل الجنرال كان لا بد ان يتنازل، ويتنازل، ويتنازل. الاولوية للجمهورية. هذا ما يقال عادة. عقد لقاءات طويلة، بل وطويلة جدا، مع الرئيس سعد الحريري الذي لا ننفي «وداعته» على المستوى الشخصي، فاقام للعماد حفل عيد الميلاد في بيت الوسط، حيث الفخامة تليق بمن سيكون… صاحب الفخامة.

ثمة يد وقالت للشيخ سعد «توقف». توقف. قيل الكثير في تلك اليد. لكننا، بالفعل، لاندري ما الذي يجعل الحصار يبدو حديديا حول الجنرال، هل لان التفاهم معه مستحيل، ام لان حجمه الشخصي والشعبي لا يتيح له البقاء داخل تلك الزنزانة التي هي المادة 49 من الدستور، ام لان صاحب الرأس اليابس لا يستطيع ان يتخلى عن رأسه اليابس…

الجنرال تلبنن كثيرا ليغدو رئيسا للبنان. تخلى عن الشخصية المرقطة، وجزئيا عن اللهجة المرقطة، ولم يعد يرفع شعار التغيير والاصلاح. تغيير ماذا واصلاح ماذا في جمهورية القمامة؟ لا تنسوا ان فيروز غنت لنا على اننا جيران القمر. الان، جيران القمامة…

وقيل انه ليس ابن النظام. اي نظام؟ منذ ان وضعت الحرب الاهلية اوزارها، ونحن في حقبة انتقالية، ونتنقل من وصاية الى وصاية، ومن رصيف الى رصيف. ثمة من يهددنا بقطع ارزاقنا اذا ما ابتعدنا قيد انملة عن هذا البلاط او ذاك. نطأطىء رؤوسنا لكل من في الخارج، وهم اولياء امرنا، دون ان نطأطىء رؤوسنا لبعضنا البعض، اي ان نطأطىء رؤوسنا للبنان…

حقا، الجنرال زمن( ونحن كائنات بشرية) يعمل ضد الجنرال، لكنهم يقولون ان القضاء والقدر يعمل ضده ايضا. تعلمون ان ثمة نوعا اخر من القضاء والقدر ولا علاقة له بذاك الذي يهبط علينا من السماء…

العماد ميشال عون لا يستطيع ان يبقى بعيدا عن القصر الجمهوري. هل يستطيع الرئيس سعد الحريري ان يبقى بعيدا عن السراي الحكومي؟ هنا الورقة الذهبية التي يمسك بها الجنرال، ويلعب بها، ضد الزمن وضد القضاء والقدر (بنسخته البشرية). اين لبنان، واين اللبنانيون، في هذه المعادلة؟

ثمة زلزال ديبلوماسي في المنطقة ويتداخل مع الزلزال العسكري. قواعد اللعبة ستتغير بعدما بدا ان الشرق الاوسط على وشك ان يكون مسرحا لحرب كبرى لا تبقي ولا تذر. نحن الوحيدون في المنطقة،بكل هشاشتنا، وبكل تصدعنا، وبكل بهلونياتنا، نبقى على حالنا. لا نتغير، ولا نعرف كيف نوصل رئيسا للجمهورية على صهوة حصان لا على صهوة عنزة (وتعلمون ان هذا حصل اكثر من مرة).

اين سليمان فرنجية في كل هذا؟ بدقة يحتسب خطواته، ويحتسب كلماته. مشكلته انه في فريق واحد مع الجنرال، ومشكلته الاخرى ان الجنرال لا يستطيع ان يرى احدا غيره في الحلبة، لا بل ان ما يقال يوحي بأن سليمان بيك طعنه في الظهر فكان ان طعنه في الخاصرة. ما نفعله اننا نستعيد كلاما يقال وراء الضوء ليبقى لبنان وراء الزمن…

لا تنتظروا رئيسا في المدى المنظور، ولو سقط الشرق الاوسط فوق رؤوسنا. مستحيلان (الجنرال والبيك) لا يصنعان رئيسا للجمهورية. بحثا، في هذه الجلبة، عن مستحيل ثالث!!