من أسفٍ شديد أن عملية انتخاب رئيس الجمهورية تقف أمام حائط موصَد بإحكام… ولا يبدو في الأفق المغلَق أي بصيص أمل بخرقٍ ما، على الأقل في المستقبل المنظور. من هذا المنطلق بادر الرئيس نبيه بري إلى الكلام على الحوار سبيلًا وحيداً، إلى أن صارح النواب برغبته هذه في الفصل التاسع الأخير من مسلسل جلسات الانتخاب، يوم الخميس الماضي، التي تحولت إلى مسرح اللامعقول جراء ما تخللها من لامسؤولية ومهازل، على أمل، ولو ضئيل، بالتوصل الى توافقٍ ما، ربما يُشكّل الخطوة الأولى الصحيحة في مسار متعثر.
يتوافق هذا المسعى مع ما يعمل عليه البطريرك الماروني بشارة الراعي نحو حوار مسيحي – مسيحي تحت جبّة غبطته، الذي لم يترك وسيلة للملمة ما يمكن من الصف المسيحي (بدءاً بالماروني)، ما قد يؤدي إلى فتح ثغرة في الجدار الموصَد إياه.
مضت أشهر على المسعَيَين اللذين يصطدمان بحواجزَ وعقباتٍ عديدة إلى حدّ الاستحالة، يُرجعها العارفون إلى أسباب عدة، أبرزها أن الممارسة السياسية في لبنان باتت تنطلق من مصالح آنية وحزبية وطائفية ومذهبية، أما المصلحة اللبنانية العليا فغائبة تماماً. الى ذلك لا يزال المسار السياسي العام في البلد غير قادر على الخروج من المفهوم الخاطئ الذي فرضته الوصاية السورية التي سيطرت على الإرادة الوطنية بالكامل، فصادرت القرار، وفرضت رأيها وموقفها على المسؤولين والقادة وأهل السياسة عموماً والقيادات العسكرية والأمنية، وحتى معظم القيادات الروحية… ما حول هؤلاء جميعاً إلى شهود زور يبصمون بالعشرة على ما كان يصدر عن عنجر والرملة البيضاء. وبالرغم من مضي سبع عشرة سنة على رحيل الوصاية، لم يستفق القوم عندنا من غفوتهم العميقة لتحمل المسؤولية والقيام بالواجب الوطني الملقى على عاتقهم. الى ذلك فإن جيل الحرب الذي آلت إليه المقاليد ولا يزال مهيمناً، ليس يرى إلى لبنان إلا البقرة الحلوب، وهو ما يعرفه الجميع (…).
أما عن المسعى البطريركي في المقلب المسيحي فالمانع من الحوار هو ما يعود إلى الأحقاد والضغائن والصراع المجنون على كرسيٍّ لم يبقَ منه شيء (…).