يندر أن يمرّ يوم واحد على المحكمة العسكريّة من دون أن تستمع هيئتها إلى من اقتنع بأفكار التنظيمات المتشدّدة في سوريا، وذهب ليلتحق بها. بالأمس، قدّم اثنان من هؤلاء تجربتهما في أحضان «داعش»، وإن أشارا إلى أنّه تمّ التغرير بهما. لكلّ واحدٍ من هؤلاء أسبابه ودوافعه التي جعلته يغادر منزل عائلته ويمضي إلى «أرض الجهاد».
قرّر أمجد ح. الذي أكمل عامه الـ21 خلف القضبان، ترْك منزل والديه متوجّهاً نحو مرفأ طرابلس، من دون أن يودّع والديه أو حتى أن يسرّ إليهما بسفره إلى تركيا ثمّ الرقّة.
لم يبحث ابن المرج البقاعيّة عمّن يقلّه إلى «بلاد الدّولة»، بل جاءته الفرصة «على رجليها»، بعد أن وردته محادثة عبر «واتس اب» من شخص يدعى «أبو جرّاح العراقي» يسأل فيها عن شخصٍ آخر اسمه «أبو ناصر السّلفي».
وبرغم الخطأ في الرقم، إلا أنّ الشاب بقي على تواصلٍ مع «العراقي» الذي أقنعه بالذهاب إلى سوريا والانضمام إلى التنظيم «لأنّ العيشة أحلى مع داعش»!
هكذا، صار أمجد مهيأ للتوجّه نحو المعركة. استيقظ صباحاً، وأخذ من محلّ الألبسة العائد لوالده وشقيقيه عدداً من البناطيل المرقّطة و «رانجر» عسكري ليضع «عدّة الشغل» في حقيبته ويتوجّه إلى المرفأ على أن يتواصل مع «العراقي» على رقمه فور وصوله إلى تركيا بهدف تهريبه إلى سوريا.
وعلى المرفأ، شعر الشاب أنّه أخطأ في قراره، فقرّر أن يعود أدراجه إلى المنزل. طلب من العسكريّ أن يعيد إليه جواز سفره، ممّا استدعى الشكّ بأمره وتفتيشه والتحقيق معه لتتبيّن حقيقة سفره إلى سوريا.
بالأمس، وقف أمجد أمام قوس المحكمة العسكريّة يجيب عن أسئلة رئيسها العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم، ويعرب عن ندمه قائلاً: «أنا والله ما بحبّ داعش». هو يريد الخروج من الزنزانة ليعود إلى مقاعد الدّراسة ويستحصل على شهادة.
وإذا كان أمجد وربيع ي. قد قادتهما أقدامهما للالتحاق بـ «داعش»، إلّا أنّ ظروف الثاني تختلف عن الأوّل. إذ أنّ ابن طرابلس الذي يعمل في بيع القهوة تلقّى اتصالاً من صديقه المدعوّ هشام الحاج الملقّب بـ «أبو مجاهد» الذي كان يعمل بائعاً للكعك. أوهمه صديقه أن التحاقه بـ «داعش» سينتشله من واقعه الاقتصاديّ المأزوم ويضعه «فوق الرّيح» ليعيل زوجته وطفليه الاثنين.
وبكلّ سذاجة، صدّق الرّجل الوعود القائلة إنّ «داعش» سيدفع له راتباً يكاد يعادل راتب جنرال في الجيش الأميركيّ ويصل إلى 6 آلاف دولار أميركيّ شهرياً!
عند هذا العرض، أعطى ربيع لصديقه «أبو مجاهد» موافقته على العرض قبل أن يُقتل الأخير أثناء المعارك ويتولّى «أبو عمر» أمر تسهيل دخول الشّاب اللبنانيّ من تركيا إلى غازي عنتاب السوريّة عبر سيّارة يقودها سائق تركيّ يتحدّث العربيّة.
ومن مضافي غازي عنتاب التي تحتوي مئات الأشخاص من جنسيّات مختلفة، انتقل ربيع في اليوم الثاني إلى مضاف أخرى في جرابلس تابعة لـ «داعش» ويديرها القياديّ «أبو طلحة الأردني».
كان على ربيع بعد صلاة الفجر مباشرةً، أن يلتحق بالمجموعة كي يتلقّوا دروساً شرعيّة على يد «داعشي» من الجنسيّة السعوديّة.
تأخّر أمر نقل الراغبين بالمشاركة في القتال إلى أرض المعركة وإخضاعهم لدورات عسكريّة بسبب الغارات الجويّة التي كان ينفّذها الجيش السوريّ على مقرّات التنظيم الإرهابي.
ولمّا سمع ربيع بالأمر، ارتعب وقرّر أن «ينفد بجلده» من دون أن يتلقّى الأموال التي وعده بها صديقه، ففاتح «أبو طلحة الأردني» برغبته هذه، لينصحه الأخير بضرورة عدم التّفكير بهذا الموضوع.
ولأنّ دخول مقرّات «داعش» ليس كالخروج منها، عصب مقاتلو التنظيم عيني ربيع ونقلوه بسيارة إلى منطقة أخرى، حيث سجن لأكثر من 15 يوماً وخضع للتحقيق عن سبب رغبته بالعودة إلى بلاده قبل أن يطلق سراحه ويعود إلى تركيا ويعمل هناك بهدف تأمين دخل يتيح له حجز مقعد على إحدى الطائرات المتوّجهة إلى لبنان.
ربيع أيضاً يبدي ندمه على ما فعله، قائلاً: «ضحكوا عليّ، وهذه الشغلة ليست شغلتي. شو بدي بالقتل والذبح؟».
وبعد مرافعة وكلاء الدّفاع عن أمجد وربيع والمدّعى عليهم الآخرين في الدّعوى نفسها، حكمت هيئة «العسكريّة» على ربيع بالأشغال الشاقّة لمدة سنتين مع تجريده من حقوقه المدنيّة وعلى أمجد بالحبس سنة واحدة.
جندي منشقّ: ضغطوا عليّ
كما حكمت «العسكريّة» على أمير منصور (شقيق أسامة منصور) بالأشغال الشاقّة لمدة 5 سنوات وتجريده من حقوقه المدنيّة، بجرم الانتماء إلى مجموعة مسلّحة والاعتداء على جنود الجيش عبر استهدافهم وهم على متن باص يقلّهم من طرابلس.
ونفى منصور التّهم الموجّهة إليه، مشيراً إلى أنّ «لا دخل لي بهذا الموضوع، وأنا منذ البداية اخترت طريقاً مغايراً للطريق الذي سار عليه شقيقي أبو عمر (أسامة)».
كما استمع العميد ابراهيم إلى الشاهد الموقوف الجندي المنشقّ عن الجيش عمر شميطة، الذي تراجع عن إفادته الأوليّة التي قال فيها إنّ أمير منصور ينتمي إلى مجموعة أسامة منصور وهو من أطلق النّار على الجيش.
وشدّد شميطة، الذي انشقّ عن الجيش وأعلن ولاءه لمجموعة منصور التّابعة لـ «جبهة النّصرة» في شريط مصوّر، على أنّه لم يعلن انشقاقه عن الجيش «من راسي، وإنّما بسبب الضغط الذي مورس عليّ، وأنا سلّمت نفسي».
وحكمت «العسكريّة» أيضاً على الأخ غير الشقيق لخالد حبلص بدر القبوط وقريبه طارق المير بالحبس لشهر واحد للأوّل وسنة وشهر حبس غيابياً بحق الثاني، وذلك بجرم مساعدة حبلص و3 من رفاقه على التّواري عن الأنظار مع علمهم بأنّهم ارتكبوا الجنايات.