IMLebanon

رسالتان إعتراضيّتان

 

أحد أكثر وجوه أزمة التأليف وضوحاً وتعبيراً ودلالة، هو الاجتماع السنّي الذي جمع الرئيس المكلّف ورؤساء الحكومات السابقين قبل يومين.

بالتأكيد أنّ الحريري هو الداعي الى هذا الاجتماع السياسي السنّي الطارئ، إلّا أنه في عمقه وخلفيّته يشكّل ترجمةً لشعورٍ سنّي عام، بأنّ ثمّة مَن لامس الخطّ الأحمر، ودخل الى ملعب صلاحيات الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة، ويحاول أن يفرض معادلاتٍ وأعرافاً جديدة.

هذا الاجتماع تلاقيه دار الفتوى وتغطّيه من حيث الشكل والمضمون، الذي انتهى فيه الى تأكيد الالتفاف حول الرئيس المكلّف في مهمته تشكيل الحكومة وفق ما يمنحه له الدستور من صلاحيات في هذا المجال، وشكّل بالتالي محطة إطلاق لرسالتين اعتراضيّتين:

– الرسالة الأولى، تعترض على مضمون البيان الرئاسي الصادر قبل أيام عن رئيس الجمهورية ميشال عون، وتضمّن تأكيداً على صلاحيات الرئيس في ما خصّ تأليف الحكومة وحقّه الحصري في اختيار نائب رئيس الحكومة. علماً أنّ الدستور حدّد للرئيس المكلف مهمته في تشكيل الحكومة بالشراكة مع رئيس الجمهورية الذي يمنحه الدستور صلاحية التوقيع النهائي لمرسوم تشكيل الحكومة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ في العمق السنّي شعوراً جدّياً، وعلى كل المستويات ومن دون استثناء موالاة أو معارضة، بأنّ البيان الرئاسي الأخير، ينطوي على منافسةٍ للرئيس المكلّف على صلاحياته، ومحاولة تقييد حركة المشاورات التي يجريها لتأليف الحكومة بشروط وأعراف لا نصّ قانونياً أو دستورياً عليها.

وهنا يقول أحد رؤساء الحكومات السابقين إنّ البيان الرئاسي لم يكن منتظراً لا في توقيته، ولا في مضمونه الذي يعكس افتئاتاً على صلاحيات الرئيس المكلف، ويهمّش مهمته ودوره في تشكيل الحكومة ويُظهره وكأنه ليس المعنيّ الأول في تشكيل الحكومة وليس أحد غيره. ناهيك عن الحملة غير البريئة التي أُثيرت قبل البيان وحملت في بعض جوانبها «كلاماً مدروساً» عن تحديد سقف زمني للتكليف، تواكب مع كلام جرى تسريبه ومن ثمّ نفيه، عن وجود بدائل جاهزة للحريري.

– الرسالة الثانية، تعترض إصرارَ بعض الأطراف على تقييد الرئيس المكلف بشروط تعجيزية وغير واقعية حول أحجامها وحصصها ونوعيّة الحقائب التي تختارها وتحجزها لنفسها، او بالأحرى تحتكرها، وكذلك حول تركيبة الحكومة وحجمها.

هناك مَن يقرأ في الاعتراض السنّي على هذا الجانب، أنّ ما يطالب به الاطراف لتسهيل ولادة الحكومة أكبر من أن يقدر الحريري على تقديمه. فصحيح أنّ الأطراف تعبّر عن استعجالها تأليف الحكومة، ليس من باب الحرص على إطلاق عجلة البلد والتصدّي لأزماته وقضاياه، بل بوصف الحكومة الجاري تشكيلها حكومة حتى نهاية العهد، من هنا يأتي استعجال كل طرف انطلاقاً ممّا يفيده، وعينه على السنوات المقبلة التي يرى أنها توجب عليه تحصين نفسه بالقدر الأكبر من الحقائب والدفاعات والمصالح والمكاسب طبعاً.

واضح، بحسب هذه القراءة، أنّ مصلحة الأطراف المتقاتلة على الحقائب، في التعجيل بحكومة يحتلّ فيها كل طرف حضوراً كبيراً يفوق حضور الآخرين، وفي الوقت نفسه فإنّ للحريري مصلحة كبرى في ولادة سريعة للحكومة، ولكن ليس أيّ حكومة، هو يريد حكومة يرى نفسَه فيها، بحضور فاعل ووازن يستعيد من خلاله وزنه داخل طائفته وداخل موقعه السياسي في آن معاً، ويؤكّد بالتالي انتقاله من المربّع السياسي الذي ثبت فيه في السنوات الاخيرة، الى مربّعه الأول على ما كان عليه الحال في زمن «14 آذار»، التي تتكثف جهود الأصدقاء الأقربين والأبعدين لإعادة ترميمها وإحيائها بالشكل الذي كانت عليه ما بعد العام 2005.

وعلى ما يعكسه بعض المتفهمّين لموقف الحريري، فإنّ الرئيس المكلف يرفض الذهاب الى حكومة ينطبق عليه فيها وصف «الرئيس الضعيف»، وهذا ما قد تؤدّي اليه مطالب الفرقاء الطموحة والمبالغ فيها، والتي إذا ما تمّت تلبيتُها، فستؤدّي حتماً الى «هزّ» موقع الرئيس المكلف داخل حكومته. إذ إنّ صورة الحكومة ستظهر أنّ الشيعة نالوا 6 وزراء، و»القوات اللبنانية» تريد 5 وزراء، والحزب الاشتراكي يريد 3 وزراء، المردة سيتمثل، وقوى نيابية مستقلة ستتمثل بدورها، ورئيس الجمهورية يريد 3 وزراء، والتيار الوطني الحر يريد 8 وزراء، فماذا يبقى لرئيس الحكومة؟ في هذه الحالة لم يأخذ إلّا الفتات. وإن تشكّلت الحكومة وفق هذه التوزيعة، فإنّ رئيس الحكومة لن يكون هو الرئيس الفعلي للحكومة، بل إنّ رئيس الحكومة سيكون صاحبَ المساحة الأوسع فيها يعني فريق رئيس الجمهورية، ما يعني في النهاية أنّ جبران باسيل، واستناداً الى حصة رئيس الجمهورية والى حصة التيار، سيكون هو الرئيس الفعلي للحكومة والمتحكّم بها بجبهةٍ وزاريّة عريضة من الداخل في يدها الثلث المعطّل لتطييرها في أيّ وقت وتحت أيّ ظرف.

هذه الصورة يرفض أن يتخيّلها رئيسٌ سابق للحكومة، ويقول: لا قبول بتهميش موقع وصلاحيات ومعنويات رئيس الحكومة. البعض يقول إنه ربح في الانتخابات وحقّق نصراً عظيماً، فـ»صحتين على قلبو»، لكنّ غيره أيضاً ربح الانتخابات وانتصر أيضاً، وتواضع الى المدى الأبعد في مقاربة التأليف وقبل سلفاً بحصة وزارية طبيعية، بل متواضعة رغم حجمه النيابي الكبير، وذلك من باب التسهيل».

يضيف الرئيس المذكور «أنّ المشكلة الأساس مزدوجة، تكمن من جهة في عدم قبول بعض الأطراف السياسية لبعضها البعض، وتكمن من جهة ثانية، في إصرار البعض على النظر في مرآة مكبّرة لا يرى فيها إلّا نفسه، ومن نتائجها الطريقة التي يعتمدونها منذ تكليف الرئيس الحريري، والمطالب التي يطرحونها، والفيتوات التي يضعونها، والشروط التي يحدّدونها للتمثيل، والمعايير التي يسهّلونها لأنفسهم ويصعّبونها على غيرهم، كل ذلك لا يعجّل في تشكيل الحكومة، بل يعيقها. لذلك إن كانوا يصرّون على هذا المنحى، ويريدون أن يشكّلوا الحكومة بهذه الطريقة، فليشكّلوها بمعزلٍ عنا إن تمكّنوا من ذلك.