هدفان أساسيان لتصعيد حملة باسيل على مفوضية اللاجئين:
حرف الأنظار عن مرسوم الجنسية، ومحاولة حصر الاتصال مع النظام السوري بخصوص النازحين
لماذا صعّد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مشكلة إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم على هذا النحو في هذا الظرف بالذات وبدأ لأول مرّة باتخاذ إجراءات وتصويب سهامه التحريضية تجاه مسؤولي مفوضية اللاجئين من جانب واحد وبمعزل عن قرارات الحكومة بهذا الخصوص، وما هي الأهداف التي يسعى إليها جراء هذه السياسة المستفزة؟
لا يخفى على أحد انها ليست المرّة الأولى التي يقوم بها الوزير باسيل بافتعال مشكل سياسي بخصوص مسألة النازحين السوريين بعدما تفرَّد بالاجتماع بوزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحد قبل نحو عام تقريباً تحت عنوان هذه المشكلة في محاولة مكشوفة يومذاك لاجبار رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفائه السياسيين للانفتاح والتحادث مع نظام الأسد الديكتاتوري وإخراج هذا النظام من عزلته العربية والدولية، بعدما باءت كل محاولات التواصل الاحادية الجانب من قِبل حلفاء النظام بالفشل. وكادت هذه الواقعة التي تفجّر حكومة الوحدة الوطنية وتطيح بها وتهدد أسس التسوية التي اوصلت العماد عون للرئاسة، لو لم يتم تداركها واستيعابها في اللحظة الأخيرة وطي الحديث عنها نهائياً بالرغم من تفاعلاتها السلبية.
ولكن ما يُميّز المحاولة المتجددة للوزير باسيل، انه لم يكتفِ بتصعيد المشكلة لإعادة النازحين إلى ديارهم كما حصل بالمرة السابقة، بل أرفقها بخطوات تصعيدية ضد مسؤولي مفوضية اللاجئين مباشرة بالرغم من الخلاف الحاصل حول هذه المشكلة مع الرئيس الحريري ومكونات أساسية في الحكومة وضمن فترة تصريف الأعمال للحكومة والتي لا تتيح اتخاذ قرارات وإجراءات من هذا القبيل خلالها، بل يستلزم الأمر مناقشة هذه المسألة الخلافية مشاركة جميع الأطراف فيها تحت سقف الحكومة ومقاربتها بهدوء وروية بعيداً عن كل أساليب التفرد والاستفزاز لإيجاد الحلول الممكن تنفيذها وليس لإثارة المشاكل وتصعيد الوضع السياسي بلا طائل.
اما إثارة هذه المشكلة خلال مرحلة الانكباب على تأليف الحكومة الجديدة في ضوء إجماع الأطراف كلها على ضرورة الإسراع بتشكيلها جرّاء الظروف الإقليمية الضاغطة وحساسية الوضع الاقتصادي الداخلي، لا يهدف إلى إعاقة وتعطيل عملية التشكيل بالرغم من إثارة الأجواء الاستفزازية لأن المسألة أكبر من ذلك، إنما يصب في هدفين أساسيين، الأوّل حرف الانظار عن التداعيات السلبية التي طالت العهد على خلفية مرسوم الجنسية الأخير ومحاولة وقف الحملات والانتقادات الرافضة لهذه السياسة التي تتعارض كلياً مع ما انتهجه «التيار الوطني الحر» قيادة ونوابا طوال السنوات الماضية برفض كل اجراء أو خطوة أو تدبير لتجنيس أو توطين السوريين والفلسطينيين بعدما تبين ان معظم الذين شملهم المرسوم المذكور هم من الجنسيتين السورية والفلسطينية وما تردّد بأن بينهم أربعة أو خمسة أسماء، من الذين اوصى رئيس النظام السوري شخصيا بإعطائهم الجنسية اللبنانية.
ولا شك ان حملة الوزير باسيل على مفوضية اللاجئين قد حجبت جزئياً حملات الانتقاد السياسي والشعبي لمرسوم الجنسية الأخير، في حين يبدو ان الهدف الثاني هو الاستهداف المباشر لمسؤولي مفوضية اللاجئين لمحاصرة المفوضية وحملها عن التنحي عن مهامها ومسؤولياتها تجاه التعاطي مع مشكلة النازحين السوريين، الأمر الذي يمهد الطريق في النهاية لفتح قناة حكومية على مستويات عالية للاتصال مع النظام السوري لمقاربة هذه المشكلة بعد ما تكون كل وسائل الاتصال الأخرى وخصوصا مع الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين قد قطعت نهائياً.
هل يتحقق الهدف الأخير بعدما تمّ تحقيق الهدف الأوّل في حرف النظام عن مرسوم الجنسية ولو جزئياً؟ ليس من السهل تنفيذ إجراءات الوزير باسيل في ضوء رفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لهذه الإجراءات، التي لا يُمكن ان تجد طريقها للتنفيذ العملي بالرغم من تعاطف أحد الأجهزة الرسمية معها، لأن المسألة أكبر من ذلك بكثير وتتخطى رغبات البعض وطموحاتهم، وكما فشلت الخطوة السابقة من خلال اجتماع الوزير باسيل مع وليد المعلم العام الماضي، فإن حدود حملة التصعيد التي قام بها باسيل معروفة، لا سيما وأن موقف النظام السوري من عودة النازحين السوريين ما يزال غامضاً بالرغم من كل الادعاءات بتسهيل عودتهم، ولا تزال هناك خطوات أساسية لتسهيل هذه العودة وأهمها التوصّل إلى قيام حكومة سورية جديدة تضم كل الأطراف وتأمين ظروف عودة آمنة وهي ليست متوافرة بعد.