IMLebanon

خطآن قَلَبَا الأمور رأساً على عقب

ما جرى في كواليس القمة العربية في شرم الشيخ لا يقلّ أهميّة عن قراراتها ومواقف أبرز قادتها. كانت المعنويات مرتفعة، والإتجاهات حاسمة: آن أوان الوقوف في وجه التمدُّد الإيراني، بل آن أوان تصحيح موازين القوى الإقليمية بشكل مباشر.

ليست المسألة اليمنيّة إلّا جزءاً من النزاع الإقليمي المذهبي الكبير. والهدف الإستراتيجي لـ«عاصفة الحزم» هو أوسع وأبعد من حدود اليمن. ولا يحتاج ردع الحوثيّين تعبئة سياسية وعسكرية ضخمة لعشر دول سنّية.

قبل العملية كانت إيران تُحاصر دول الخليج والأردن بوحدات من قواتها وحلفائها من ثلاث جهات: العراق شمالاً، واليمن جنوباً، ومِن حدودها الساحلية غرباً. وتُمسك بالمفاصل الحيوية للمنطقة من ثلاث جهات أيضاً: مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، والبحر المتوسط.

سَرَت شائعات وتكهُّنات أن طهران لم تكن لتضع يدها على أربع عواصم في المنطقة، لولا أن الولايات المتحدة الأميركية لم تَبِع حلفاءها في مقابل الحصول على إتفاق مع طهران قد يتعدّى برنامجها النووي.

لكن خطأين قَلَبا الأمور رأساً على عقب:

1- التهديد بوضع اليد على مضيق باب المندب. وهو خط أحمر أميركي وسعودي ومصري.

2- المناورات الحوثية العسكرية على الحدود السعودية، الأمر الذي يُشكل تهديداً مباشراً لأمن المملكة واستقرارها.

هنا بادر الملك سلمان الى تحقيق ما كان يعتبر حتى الأمس القريب مُستحيلاً، وهو توحيد الموقف القطري والمصري والتركي مِن مسألة إنفلاش النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وضرورة التحالف لمواجهته.

إن أهمّ ما وراء وأبعد من العملية العسكرية في اليمن هو:

1- تحويل الحصار الإيراني الى حصار على إيران. إذ إن التحالف الجديد يُشكل شبه طوق طبيعي أكبر جغرافياً وسياسياً وعسكرياً حول إيران، من باكستان الى مصر فتركيا والمغرب.

2- سيطرة القاهرة والرياض على مضيق باب المندب، وحصار موانئ البحر الأحمر التي يستخدمها الحوثيّون لإعادة التموين العسكري.

3- إن لعبة موازين القوى في الشرق الأوسط لم تَعُد بين السعودية وإيران، وإنما أصبحت بين طهران وعشر دول، وبالتالي هناك إعادة نظر في الحسابات الإستراتيجية.

4- بدّدت الإدارة الأميركية الشكوك بانحيازها لإيران، وأعادت طمأنة حلفائها بأنها لن تتخلّى عنهم، حتى في الوقت الذي تسعى فيه للتوصل إلى إتفاق نووي مع طهران.

5- إظهار العرب جدّية في مكافحة الإرهاب عبر تشكيل قوة عربية موحّدة تكون بديلاً لإيران في محاربة «داعش»، (وغيرها اذا اقتضت الضرورة). وهذا ما تعتبره واشنطن نوعاً من تقاسُم للأعباء، ولطالما حلِمَت به.

6- إعادة تأكيد دور مصر القيادي في منطقة الشرق الأوسط، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال التصدّي للتهديد الحوثي في البحر الأحمر، ومساعدة حلفاء مصر في الخليج العربي على مقاومة طموحات الهيمنة الإيرانية.

في النتيجة، دخلت المنطقة في مرحلة جديدة. إستعاد اللاعبون المناهضون للتوسّع الإيراني المبادرة في لحظة مصيريّة. دفعوا بالطائرات الحربية في مواجهة الصواريخ الباليستية في رسالة مفادها، «إن أردتموها حرباً، فلتكن…».