لم يتوقع ايّ من الوزراء تلقّي دعوة الى جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، فكل الظروف تدلّ الى انها مؤجلة في ضوء نظريتين تتحكمان بخطوة رئيس الحكومة تمام سلام: الاولى تدعوه الى اقتحام الجمود الحاصل بالدعوة اليها، والثانية تفضّل التريّث ليسقط دعاة شلّ الحكومة في فخ الإستحقاقات المعيشية والإقتصادية التي تنتظرها البلاد. فلأيّ منهما سينتصر سلام؟
خرج معظم الوزراء من جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي مقتنعين بأنها آخر الجلسات التي يمكن ان يشهدها شهر آب على الأقل. وما زاد من هذ الاقتناع الشامل انّ تلك الجلسة تحوّلت جلسة نادرة لم تعرفها سابقاتها وتحوّلت ما يشبه ندوة سياسية قدمت نموذجاً لِما يمكن تسميته «الجدل البيزنطي» الذي لا يمكن ان يؤدي الى ايّ نتيجة او إقفال أيّ من الملفات المطروحة على رغم اهميتها ومدى تأثيرها في الحفاظ على الحد الأدنى من حضور السلطة التنفيذية في مرحلة هي الأصعب والأخطر.
واعترف احد الوزراء انه أمضى مع زملاء له نحو ساعة ونصف الساعة، من اصل ثلاث ساعات وثلث الساعة استغرقتها الجلسة، بين تناول القهوة والسيجار أكثر من مرة. وصولاً الى إجراء أحدهم سلسلة من الإتصالات لمتابعة «ورشة دهان» في منزله، فيما كان آخر مهتمّ بترتيبات سفر عائلته، ووقّع أحدهم ثلاثة مراسيم كانت تنتظر توقيعه ولَفته اليها أحد موظفي الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
لا يتنكّر وزراء كثر لصحة هذه الوقائع، وقال احدهم انّ الشغور الرئاسي المتمادي الذي استوطَن قصر بعبدا منذ 15 شهراً انتقل في شكله ومضمونه الى ساحة النجمة منذ أشهر.
وتجلى في أسوأ مظاهره عندما تكون الدعوة الى انتخاب الرئيس يوم اربعاء، وتحديداً عندما يتلاقى نحو 40 نائباً في القاعة العامة في المجلس بدعوة من رئيس المجلس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ما هو يرأس في عين التينة «لقاء الأربعاء النيابي» في حضور نصف الحاضرين في ساحة النجمة تقريباً، وهو ما زاد من تباهي البعض وفخره بتعطيل 26 جلسة انتخابية الى اليوم.
وأسوأ ما هو متوقّع، أن يقتحم التعطيل أسوار السراي الحكومي، وتحديداً قاعة مجلس الوزراء، إذا ما أصَرّ البعض على تطويع زملائه وفرض جدول اعمال بلا بنود تقليدية وفرض وجهة نظر لا يشاركه فيها 20% من اعضاء مجلس الوزراء.
على هذه الخلفيات يتريّث رئيس الحكومة في الدعوة الى الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء وتتنازعه نظريتان:
– الأولى، تقول إنه لا بد من اقتحام المشهد الحكومي السلبي، فإصرار وزيري «التيار الوطني الحر» ومعهما وزراء حزب الله و»المردة» و«الطاشناق» على منطق «مِنشِلّ ما مِنفِلّ» لا بد من مواجهته توَصّلاً الى صيغة ما تخرج الحكومة من عنق الأزمة.
– الثاني يقول بالتريّث لأسبوعين، على الأقل، في توجيه الدعوة الى الجلسة المقبلة. فأيلول طرفه بالإستحقاقات مبلول وليس أهمها، بالإضافة الى أزمة النفايات ومصير الهبات والعقود والقروض الدولية الممنوحة للبنان، عدم القدرة على صرف الرواتب لموظفي القطاع العام من عسكريين ومدنيين ومتقاعدين يزيد عددهم على 140 الفاً، ولا بد من ان يتحمّل مَن أعاق توقيع المراسيم الخاصة بنقل الإعتمادات من احتياطي الموازنة الى بند الرواتب مسؤولية الكارثة المتوقعة لدى هذه الفئة الكبيرة من اللبنانيين.
وليس سراً انّ أصحاب النظرية الأولى لا يمتلكون المخارج الممكنة لأيّ مواجهة يدعون اليها، لكنّ اصحاب النظرية الثانية لديهم أمثلة عدة لم ينسها اللبنانيون بعد، وأبرزها ما فقده «التيار الوطني الحر» وأنصاره من تعاطف ضبّاط الجيش وأنصاره وبيئته نتيجة المواجهة التي يقودها ضد قائد الجيش والتشكيك بشرعية وجوده في موقع القيادة في مرحلة يقود فيها أشرس المواجهات مع الإرهابيين والتكفيريين.
وعليه، يقول العارفون انّ رئيس الحكومة سيكون مدفوعاً الى مسايرة النظرية الثانية أو تبنّيها على قاعدة «مُرغم أخاك لا بطل». فهو بالتأكيد ينتظر نتائج اتصالات خجولة ومبادرات عدة لم تكتمل أيّ منها بعد وَسط عوائق قد يكون بعضها من صنع من يرغب بالستاتيكو القائم.
فمَن ليس لديه مصلحة بوجود رئيس للجمهورية يسأله عمّا يقوم به في الداخل والخارج، ويرى في ما هو قائم فرصة لن تتكرر لتغيير الواقع وتكريس أعراف غير مسبوقة.
نتيجة لهذا العرض ترى أوساط مراقبة في النظرية الأولى فخّاً يُنصَب لرئيس الحكومة، وتدعوه الى «عملية انتحارية» قد تؤدي الى تطيير الحكومة، فيما يسعى الى تمديد أجلها بقوة صلاحيّاته وطول صبره، بينما تروى هذه الأوساط في النظرية الثانية تجربة لعملية «عضّ الأصابع» في انتظار مَن سيصرخ أولاً؟!