Site icon IMLebanon

مشروعان في الشرق الأوسط… أيهما تسانده الولايات المتحدة؟

 

قال لي أحد المسؤولين الذين قابلتهم أثناء سفري في منطقة الشرق الأوسط: «هناك مشروعان في الشرق الأوسط؛ أحدهما تركيا وقطر وإيران، والآخر هو السعودية والإمارات ومصر والأردن، بالإضافة إلى إسرائيل. ويجب أن تساند الولايات المتحدة المجموعة الأخيرة لأنها ملتزمة بالحفاظ على استقرار المنطقة على المدى البعيد».

كان حديثه مثيراً للاهتمام، ويحمل كثيراً من النقاط. أولاً، من الواضح أن تركيا وقطر وإيران ليست متماثلة. ولكن كان المسؤول يقول إن المهم بشأن تركيا وقطر في الأساس هو أنهما تدعمان «الإخوان المسلمين»، ويعني ذلك تشجيع التيار الإسلامي السني المتشدد في الشرق الأوسط. وانعكاسات ذلك على الترويج لنظام إقليمي جديد لا حاجة فيه لاحترام الحدود، وتسييس الإسلام بهدف احتكار السلطة. وتركيا هي الشريك الأكبر في السعي إلى هذا الشرق الأوسط الجديد. أما إيران، فهي بالطبع مختلفة. ففي حين أنها تسعى أيضاً إلى تغيير النظام الإقليمي، فإن هدفها هو خدمة أجندة شيعية متشددة أيضاً، وبالتالي في تلك الحالة تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، ولأجل ذلك تستخدم الإرهاب والتخويف لتحقيق هدف الهيمنة على المدى البعيد.

ثانياً، ربما لا يكون التصنيف البديل متماثلاً أيضاً، ولكن أطرافه تتشارك في توجه استراتيجي متشابه؛ إذ يجب احترام الدولة القومية وسيادتها، وأن الأطراف غير الدولية وميليشياتها تشكل تهديدات تجب مقاومتها، والنظام السياسي القائم يحقق أكبر أمل في الاستقرار على المدى البعيد.

ثالثاً، يحمل وجوب مساندة أميركا لهذه المجموعة الثانية معنى ضمنياً بأنها لا تفعل ذلك في الوقت الحالي. وقد يكون هذا خبراً جديداً لإدارة ترمب التي ربما تعتقد أنها تساندها. من المحتمل أن يكون قصد هذا المسؤول هو الإشارة إلى أن إدارة ترمب لا تقدم ما يكفي لمساندة هذه المجموعة الثانية.

وهنا أشير إلى أننا على الأرجح نرى معنيين مختلفين. فمن جهة، يثير أسلوب إدارة ترمب مع تركيا وقطر قلق هذا المسؤول. وهو بالفعل كان يقول إن أميركا لا تبدو مدركة أن تركيا وقطر تتصرفان على نحو سوف يهدد في النهاية استقرار المنطقة ومصالح أميركا فيها. ويعني ذلك أن علاقات الإدارة يجب أن تتخذ شكلاً مختلفاً، وأن تمارس ضغوطاً أكبر على هاتين الدولتين ولا تسكت عنهما.

من جهة أخرى، فيما يتعلق بإيران والميليشيات الشيعية، تبدو السياسة الأميركية – على الأقل في نظر هذا المسؤول – صارمة خطابياً واقتصادياً، ولكنها لا تواجه بالضرورة تصرفات إيران وميليشياتها في الواقع. وعلى صلة وثيقة بهذه المخاوف، بدت السياسة المتعلقة بسوريا موجهة فقط ضد تنظيم «داعش». علاوة على ذلك، أوحى إعلان الرئيس ترمب عن سحب القوات من سوريا بأن إيران تستطيع أن ترسخ وجودها هناك إذا أرادت ذلك. ولعل التراجع والإبقاء على 400 جندي من القوات الخاصة الأميركية في سوريا على الأقل في الوقت الراهن يطمئن هذا المسؤول، ولكنه لا يعالج حتماً مخاوفه بشأن أولويات أميركا وبقاء نفوذها في المنطقة.

أجد فيما قاله المسؤول أمراً أخيراً مثيراً للاهتمام ومحفزاً على التأمل. يشير إدراج إسرائيل في المجموعة إلى معنى آخر: ربما لا يوجد تطبيع مع إسرائيل، ولكن هناك وضع جديد في المنطقة. والتهديدات هي ذاتها من كل من إيران والميليشيات الشيعية والسنية المتطرفين. بالإضافة إلى ذلك لا تتحدث إسرائيل عن هذه التهديدات فحسب، بل تتخذ إجراءات ضدها. وفي مفارقة، كلما ازدادت الشكوك حول أميركا – والتي بدأت في المنطقة في عهد أوباما وتستمر في عهد ترمب – ارتفعت صورة إسرائيل عملياً كشريك صامت. بيد أن الخلاف معها لا يزال قائماً إلى حد بعيد بسبب القضية الفلسطينية.

وفي مؤتمر وارسو، انعقدت الاجتماعات وكأنها حلقات نقاش تهدف إلى الوصول إلى أفضل الأفكار والسبل لمواجهة الإيرانيين والجماعات المتطرفة – ولم يلقِ الوزراء العرب ورئيس الوزراء الإسرائيلي خطابات، بل قدموا تحليلاتهم وتوصياتهم. (ومن خلال عملي مديراً للقاءات هناك وملاحظتي لهذا، شعرت بأن الفلسطينيين أخطأوا بمقاطعة المؤتمر. لو حضروا، كان من الممكن أن يدفع كل وزير عربي وكثير من الأوروبيين بالقضية الفلسطينية ويلح على معالجتها. ولكن من دون وجودهم، تم ذكرها عابراً وجاءت قضية فرعية أمام التهديدات التي بدت أكثر إلحاحاً).

ماذا يفيدنا من كل هذا؟ من المهم لإدارة ترمب أن تدرك وجود مشكلة. يجب أن تدخل في مباحثات استراتيجية هادئة مع قادة عرب بارزين، وتوضح ما تستعد لفعله بصدد إيران في المنطقة بالإضافة إلى ما تتوقعه من شركاء إقليميين. كما تحتاج إلى تفسير سياساتها تجاه تركيا حالياً. نعم هي عضو في «الناتو» وطرف أساسي في سوريا، ومن المهم الوصول إلى بعض التفاهمات مع تركيا بشأن ما سيحدث أو لن يحدث في شمال شرقي سوريا. ولكن بعيداً عن ذلك يجب أن تستمع الإدارة إلى المخاوف التي لدى كثير من القادة العرب الآن بشأن تركيا، وألا تظهر أنها على دراية بها فحسب، بل أنها سوف تدرجها في سياستها.

في بعض الأحيان تستطيع عبارات قصيرة الكشف عن الكثير. من الواضح أن المسؤول العربي الذي نقلت عنه عبارته عن المشروعين المتنافسين في المنطقة قد قدم تناولاً مثيراً للاهتمام بشأن الشرق الأوسط ومضامين حول الكيفية التي يجب أن تتعامل بها معه إدارة ترمب.

 

– خاص بـ«الشرق الأوسط»