سببان للتكدّر اللبناني في مواكبة القمة العربية في نواكشوط:
السبب الأول، أن تجتمع مجموعة من الدول العربية على رفض تمثّل سوريا المنكوبة، سوريا الثائرة، مقدّمة خدمة ثمينة لنظام احتضار دموي أضحى بشكل نافر جداً نظام التدخل الايراني فوق الأرض السورية. بل ان اعتراض طريق الاعتراف العربي بحق الشعب السوري في اختيار نظام الحكم الذي يريد، وحقه في تقرير المصير، لم يعد يتعارض مع الخط البياني المبدئي لثورة هذا الشعب، بل يتعارض أيضاً مع مقومات وشروط أي تسوية جدية للمسألة السوريّة.
أن تجتمع دول شهدت ربيعاً عربياً ودول لم تشهده، على اعتراض السبيل التحرري السوري، بل دول ترتبط بباع طويل في الكفاح التحرري لبلدانها، أن تكون هناك عاصمة ساندت حكومتها الثورة السورية قبل عامين، و»بدّلت» رأيها رأساً على عقب، بعد التداول على السلطة، الديموقراطي المشرّف فيها، فكل هذه أبعاد لما هو مؤجل من أزمة بنيوية عربية. أزمة عدم الانصات لجراح وعذابات السوريين، وعدم فهم أبعاد التغلب الفئوي في سوريا كما في العراق، واعتباره لا يعني من هم خارج هذه الدائرة الجغرافية المحدّدة، هو المحدودية بعينها.
لا تشهد سوريا «قمعاً» تقليدياً من نظام تسلطي عربي على قسم من شعبه. استخدام الترسانة الكيماوية، الاستخدام المتواصل للبراميل المتفجرة الملقاة من الطائرات، التهجير لما يقارب نصف الشعب السوري، داخل وخارج بلده، التطهير الدموي المتواصل، بخارطة هندسية لفرز الألوان الفئوية للمناطق على نحو مدمّر، كل هذا لا يمكن أن يتنصل العرب منه، ويتعاملون معه كمجرّد مسألة داخلية تعني السوريين، والى ان يفصلوا بها يبقى نظام آل الأسد ينطق باسمهم.
صحيح ان الربيع العربي شهد تراجعاً كثيفاً في السنوات الماضية، لكن اعتراض مجموعة دول على تمثيل سوريا الحرة في القمة العربية هو طعن اضافي ونوعي بمفهوم الحرية، ومزيد من الطعن بتركة الربيع العربي. اكثر من ذلك: اذا كان لبنان، «مضطراً» بحكم تركيبته وتجاوره مع سوريا، لاعلان النأي الرسمي عن الحرب السورية، وهو نأي ضربه «حزب الله» عرض الحائط بتدخله في هذه الحرب، فان النظام العربي ككل لا يمكنه ان يتعامل مع سوريا على قاعدة «النأي»، فكيف الحال اذا كان المعترضون على تمثيل الائتلاف السوري، لا يقتصرون على «النأي» في مراميهم، وانما يتطوعون لـ»اعادة الاعتبار» الى نظام انجدته التدخلات الايرانية والايرانية – اللبنانية والروسية، لكنها لن تصل به، قطعا، الى درجة استعادته للصورة التي كان عليها قبل انطلاقة الثورة. محال. اعتراض مجموعة دول تمثيل الائتلاف السوري يصطدم باستحالة موضوعية لاعادة تعويم النظام الأسدي.
أما السبب الثاني للتكدّر، فان لا يكون بمستطاع الحكومة اللبنانية الخروج من الصيغ الخشبية حيال «حزب الله». نعم، هو من النسيج الاهلي اللبناني، لكن عقيدة ولاية الفقيه ليست من هذا النسيج. وهي حتى عقيدة انقسامية في الداخل الايراني، وعقيدة توسعية ايرانية في المشرق العربي. التزام الحزب بهذه العقيدة، التزاماً عقيدياً وحربياً، عابراً للحدود، ليس بمسألة داخلية هنا ايضاً. لا فظائع النظام السوري مسألة داخلية سورية، ولا تدخّل «حزب الله» في سوريا مسألة داخلية لبنانية.
يمكن للبنان ان ينأى بنفسه عن الحرب السورية. لا يمكنه ان ينأى بنفسه عن ضرب «حزب الله» الحائط بنأيه هذا، من فوق تعطيل الاستحقاق الرئاسي اللبناني، والاضرار بعلاقات لبنان العربية. يمكن للبنان الرسمي ان يتميز لفظياً عن التوجه العربي تجاه «حزب الله»، ليست هنا المشكلة. لكنه لا يمكن ان ينأى بنفسه قمة واثنتين وثلاثاً عن الواقع الجديد الذي يفرزه هذا التوجه العربي، وبالتحديد لأن هناك بلداناً عربية تظهر بالحجة والدليل تدخل الحزب «ميدانياً» وليس «فلسفياً» في شؤونها، وبشكل لا يمكن ان تبقى حيلة اللبنانيين تجاهه هي انهم ضعفاء بازاء هذا الحزب. ان تكون حجتهم ان على العرب مساعدتهم في مواجهة تغلب الحزب فهذه مسألة اخرى.
والتحدي كله هو تظهير هذا الفارق الاساسي: التميّز بين ما يقوله اللبنانيون بصدد الحزب وما يقوله العرب خارج لبنان ينبغي ان يؤطر، في نطاق منهجي، تؤازر فيه الشكوى الداخلية شكوى الاقليم، والعكس بالعكس، كل من موقعه، وفضاء حركته، وشكل الضرر الواقع به جراء أفعال الحزب. أما ان يقول اللبنانيون ان مشكلتهم مع الحزب «داخلية فقط» فهذا غير صحيح وغير نافع، تماماً مثلما يفترض بالاجماع العربي المناهض للحزب أن يأخذ بعين الاعتبار ان معاناة اللبنانيين المخاصمين له طويلة ومريرة، وهي تمر من خلال تعقيدات التركيبة المجتمعية والسياسية اللبنانية.
طبعاً، ليست القمة العربية التي تحل هكذا اشكالية، وان كانت الاشكالية طرحت نفسها بما يدعو الى التكدّر حيال الافتراق بين الموقفين اللبناني والعربي حول الحزب في القمة.