أحبط فشل السياسيين في إنزال قانون الانتخاب عن شجرة التناقضات والمكايدات والمزايدات، الشريحة الواسعة من اللبنانيين، وصاروا يعدّون أنفسهم لدخول مرحلة ما بعد 20 حزيران بكل ما فيها من مفاجآت واحتمالات، خصوصاً انّ انتهاء ولاية المجلس النيابي صارت مسألة ايام أقل من الخمسين، ولسان حال هذه الشريحة يشكّك ويقول اذا كان السياسيون قد فشلوا طيلة اشهر لا بل سنوات في الوصول الى قانون، فكيف لهم أن يصلوا اليه خلال أيام؟
على رغم هذه الصورة القاتمة، وعلى رغم ضغط المسافة الزمنية القصيرة من الآن وحتى 20 حزيران، فما يزال هناك من يرى ضوءاً خافتاً في آخر النفق، يمنع الجميع؛ سواء الصّادقين في محاولة ايجاد قانون، او المزايدين في هذا المجال، من تجاوز الخط الاحمر وبالتالي السقوط في هاوية الخطر الذي يتهدد البلد بعد 20 حزيران؟
ولكن، ما هو هذا الضوء؟
يقول اصحاب هذا الرأي انّ هذا الضوء متولّد من خوف الجميع من دون استثناء أحد من مرحلة ما بعد 20 حزيران، وعلى رغم الصراخ العالي من بعض المنصّات السياسية، ليس من بين هؤلاء من يجرؤ على خوض مغامرة الفراغ المجلسي، وفي مقدمهم اصحاب النظريات والفتاوى؛ الدستورية شكلاً والسياسية ضمناً، والقائلة بوجود آليات دستورية ترعى هذا الفراغ؟!
وهذا الخوف، سيقود الجميع في لحظة معينة قبل نهاية ولاية المجلس، الى سلوك واحد من طريقين يؤديان الى التمديد الحتمي التقني لمجلس النواب؛
– الطريق الأول، ان يسلكوا طوعاً، طريق توليد قانون توافقي قبل 20 حزيران. وهذا معناه إعادة وضع البلد على جادة الاستقرار السياسي والانتخابي. الّا انّ هذا الاحتمال ضعيف جداً تبعاً للانسداد الراهن وافتراق الرؤى والنقاش العبثي الدائر بين السياسيين، والذي لم يوصل الى اي نتيجة ايجابية حتى الآن.
– الطريق الثاني، أن يضغط اقتراب الولاية المجلسية من نهايتها من دون الوصول الى قانون، عليهم أكثر فأكثر، فيجدوا انفسهم مضطرين ومكرهين رغماً عنهم، على أن يسلكوا طريقاً آخر يوصلهم الى واحد من خيارين:
أ- الخيار الاول، التوافق «كيفما كان»، على «عناوين» قانون جديد. وبالتالي الذهاب الى تمديد تقني لفترة معيّنة، تسمّى «فسحة لإعداد قانون»، ومن شأن هذا الخيار ان يبعد كأس الفراغ عن متناول البلد.
ب- الخيار الثاني، التسليم بالقانون النافذ، اي قانون الستين. وبناء على هذا التسليم تعقد جلسة تشريعية لمجلس النواب، يصار فيها الى تعديل «المهل» التي تآكلت منذ رفض رئيس الجمهورية توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبالتالي النّص على مهل جديدة لإجراء الانتخابات على أساسها ربطاً بالموعد الذي سيتحدد لإجراء العملية الانتخابية، وكذلك تعديل كل ما يتصل بالآلية الانتخابية وفق القانون المذكور. على ان يقترن ذلك بإقرار تمديد تقني لمجلس النواب لفترة محددة من ستة أشهر فما فوق.
وامّا الموجب الاساسي لهذا الخوف، فهو اصطدام الجميع بحقيقة مرّة بالنسبة الى بعضهم، وهي عجزهم على إيجاد الجواب للسؤال التالي: لنفرض ان وصلنا الى 20 حزيران بلا قانون جديد، او بلا اتفاق على عناوين ومبادىء قانون، او على العودة الى الستين، والمجلس النيابي منتهية ولايته، فكيف
ستجري الانتخابات بعد هذا التاريخ وعلى أساس اي قانون؟
مجرّد انتقال عقرب الدقائق الى اللحظة الاولى بعد منتصف ليل الثلاثاء 20 حزيران 2017 تنتهي الولاية المجلسية ويصبح لبنان بلا مجلس نواب.
ويدخل في المحظور. وحتى لو تمّ الاتفاق في اللحظة ذاتها؛ اي اللحظة الاولى بعد منتصف ليل الثلثاء 20 حزيران، على قانون جديد للانتخابات وبإجماع كل الاطراف، فسيكون هذا الاتفاق بلا ايّ معنى، إذ كيف سيُعمل بهذا القانون والآلية التي يتضمنها في غياب مجلس النواب الذي يفترض ان تقرّه هيئته العامة.
والأمر نفسه ينطبق على قانون الستين، إذ حتى لو اتفق السياسيون وبالاجماع في اللحظة الاولى بعد منتصف ليل الثلثاء 20 حزيران 2017، على العودة الى الستين والتسليم به كأمر واقع، فسيكون هذا الاتفاق ايضاً بلا اي معنى وبلا اي قيمة.
إذ لا إمكانية لإجراء الانتخابات على اساسه، ذلك انّ الشق المتعلق بالعملية الانتخابية كان مرتبطاً بانتخاب مجلس جديد وبحساب مهل ربطاً بنهاية ولاية المجلس الحالي، كل هذا الشق انتهى وتآكلت فيه كل المهل، سواء دعوة الهيئات الناخبة، مهل الترشيح، مهل العودة عن الترشيح اضافة الى تعيين هيئة الاشراف وايضاً قيود الناخبين وغير ذلك… وبالتالي لا صلاحية رئاسية لمعالجة هذه المشكلة او «تشريع» مخرج ما، كما انّ الحكومة لا تملك صلاحية تشريعية، بل ان كل الآليّة الانتخابية والمهل وما اليها واردة ضمن القانون الانتخابي، وبالتالي يقتضي تعديل هذا القانون من هذا الباب، بقانون وليس بقرار حكومي او مرسوم رئاسي، إذ انّ صاحب الصلاحية التشريعية حصراً هو مجلس النواب.
ومجلس النواب بعد 20 حزيران غير موجود، فكيف ستُعدل المهل، ومن يعدّلها، لا بل من يحدد غيرها؟ وكيف ستجري الانتخابات في هذه الحالة؟
وثمّة سؤال أساسي ربطاً بما تقدم: هل ثمة من يستطيع من القوى السياسية كلها رسم معالم او ملامح صورة البلد في ظل هذا الامر؟
الجواب الطبيعي: لا أحد!
السيد حسن نصرالله، رسمَ مساراً في اتجاه بلوغ التسوية الانتخابية التي لا بد منها، لسبب وحيد «كي لا يسقط لبنان»، ولعل أبسط شروط هذه التسوية يكمن في نزول الفرقاء كلّ عن شجرته.
وكلامه موجّه الى الحليف قبل ايّ احد آخر. قال نصرالله كلاماً قد لا يكون مرضياً لهذا الحليف، وبَدا في سياق هذا الكلام وكأنه يقول: اشهد انني قد بلّغت. الّا انّ العبرة تبقى في ما اذا كان هناك من سيتجاوب او يبدي استعداداً للنزول عن شجرة يعتبرها متراسه الاخير لتحقيق ما يريد.
يبقى انّ هذا الجو المقفل، لا يُرى بالعين الداخلية فقط، بل ان العين الخارجية ترفّ قلقاً من المشهد الانتخابي، فالخطر المُحدق بلبنان بعد 20 حزيران، يقلق بعض البعثات الديبلوماسية الاوروبية التي تثير هذا الأمر مع المراجع الرسمية والسياسية على اختلافها، من زاوية النّصح بوجوب تداركه قبل فوات الأوان.
وينقل احد المراجع انه تبلّغ من أحد السفراء الغربيين ما حرفيته: «نحن نتابع ما أنتم بصدده في الموضوع الانتخابي، في الحقيقة لا نفهم ماذا أصابكم، وضعكم يتطلّب حماية الاستقرار، تعلمون انّ استقرار بلدكم يهمنا، وما نشاهده يجعلنا نخشى على هذا الاستقرار، ونعتقد انّ إجراء الانتخابات النيابية يساهم في هذا الاستقرار، ونفضّل ان تجري في موعدها، نحن لا نفهم لماذا تفرّطون بهذا الاستحقاق الاساسي والديموقراطي في حياة البلدان، وتختلفون على قانون غير موجود، وفي يدكم قانون موجود؟!».
قال المرجع المذكور انه سمع من السفير المذكور كلاماً صريحاً يفيد: الحل في يدكم ايها اللبنانيون… وتستطيعون ان تتوافقوا، لا تنتظروا الخارج لكي يتدخل ويساعدكم على الخروج ممّا أنتم فيه، وإن قررتم الانتظار فإنكم ستنتظرون طويلاً… وطويلاً جداً».