الرئيس سعد الحريري في بيروت، وهذه العودة منتظرة عشيّة الجلسة الخامسة والأربعين لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي عليها رهانات كثيرة، خصوصاً من جانب التيار الوطني الحر، الذي قرّر ان لا تقتصر هذه الجلسة، على تحديد موعد الجلسة التالية، نتيجة الاصابة بفيروس فقدان النصاب، وحدّد برنامجه للتصعيد السياسي والشارعي، لأن الوقت لم يعد لصالح حدّ، كما يقال في اللهجة المصرية.
ماذا في جعبة الحريري العائد من السعودية؟ بعض الأوساط الموعودة بعودته، تتفاءل خيراً، وإلاّ لما تجشم عناء الرجوع في هذا المناخ الخريفي.
وبعضها الآخر رأى في تصريحات كتلة المستقبل المتمسكة بترشيح سليمان فرنجيه ما يعني ان الضوء الأخضر الاقليمي ما زال أحمر.
واللافت ان رئيس تيار المستقبل استبق عودته الى بيروت بحديث الى وكالة الأنباء السعودية، بمناسبة العيد الوطني للمملكة، ولهذا مضمونه السياسي بالتأكيد، في وقت نقلت القناة البرتقالية مقتطفات من مقالة الشيخ سعد في نيويورك تايمز. وفيها: ان ايران وراء أزمات وويلات الوطن العربي، والوطن الاسلامي، وهي الداء، وان السعودية هي المنقذ والدواء… وكأن في الأمر اختباراً مطلوباً…
ومع وصوله الى بيروت، بدأت الأفكار والمقترحات تتزاحم خلف الكواليس وفي صالونات السلطة والحكم، ومنها صيغة تقول: يشارك نواب التغيير والاصلاح بجلسة الانتخاب الرئاسية المقبلة، مع حلفائهم أو من يرغب من هؤلاء الحلفاء، مقابل التزام كتلة المستقبل بالحضور لتأمين النصاب، من دون الاقتراع له، طالما ان مرشحها سليمان فرنجيه في الميدان، اعتقاداً بأن أصوات حلفاء التيار تكفي.
هذه الصيغة لم تأخذ طريقها الى الصيرورة، وفق معلومات المتابعين لأن فريق الجنرال اشترط اعلان الالتزام المسبق بالتصويت له، فالنصاب ليس هو المشكلة، بل الأصوات، مقرونة برفض فرنجيه الانسحاب وإحجام حزب الله عن الضغط عليه كي ينسحب، وتجربة فرنجيه الجدّ الذي فاز على منافسه الرئيس الياس سركيس بصوت واحد، احتمال وارد في كل حين…
ومن هنا تحوّل التداول الى طرح آخر يعكس وجهة النظر المستقبلية وخلاصته، ان يطلق الرئيس الحريري حرية أعضاء كتلته الثلاثة والثلاثين لانتخاب من يشاؤون من المرشحين، على غرار ما فعل النائب وليد جنبلاط، رئيس اللقاء النيابي الديمقراطي، وفي هذا إرضاء للمرشحين، وانعاش للديمقراطية.
ولكن هذه الصيغة أيضاً تنقصها الضمانة الثابتة، فالعماد عون قرّر عدم خوض المنافسات، منذ اختبار المنازلة بينه وبين الدكتور سمير جعجع في أول جلسة انتخاب رئاسي، وهو يريد انتخابات مضمونة الفوز، ولا وقت للاختبارات والتجارب.
في مطلق الأحوال، الصورة ما زالت مشوّشة، لكنها ستتوضح هذا الأسبوع حكماً، ان لم تكن في جلسة مجلس الوزراء المرتقبة، ففي جلسة الانتخاب، ومصير الجلسة الوزارية رهن اتصالات رئيس الحكومة العائد من نيويورك والتي يشكّل ملف التعيينات العسكرية صاعق التفجير فيها، بل الحالة الضاغطة لارتباطها بتاريخ انتهاء خدمة العماد جان قهوجي في قيادة الجيش، ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان في ٣٠ الجاري، لكن الفتوى القانونية الصادرة عن وزير الدفاع سمير مقبل بجواز التمديد للقائد ولرئيس الأركان تحت عنوان الضرورة، يمكنها إقناع الرئيس سلام بصرف النظر عن الجلسة وبالتالي تلافي استفزاز العماد عون، المستنفر ضدّ التمديد للقيادات، ولأنه عندما تصبح مشكلة التيار الحر مع وزير الدفاع، غيرها مع مجلس الوزراء مجتمعاً…
وسط هذه المعمعة يلاحظ المتابعون تركيز الأضواء العونية على كتلة المستقبل، وكأنها وحدها المانعة وصول العماد عون الى بعبدا، في حين يقول النائب القواتي انطوان زهرة ان المستقبل حاول ان يؤيد عون للرئاسة لكنه لم يسمع ما يشجعه من حزب الله…
ومن الأقوال المأثورة في هذا السياق انه لا يمكننا ادراك أهمية القطار إلاّ عندما يفوتنا.