لا شيء يوحي ان الساعة دقّت لتدخل بري يطلبه بإلحاح وزير الخارجية اليمني. ولا أحد يجهل ما تتطلبه عملية برية من حسابات دقيقة ومعقّدة سياسياً وعسكرياً. ومن الآن الى أن تنضج الظروف لتنويع الخيار العسكري أو لمعاودة الحوار السياسي، فان ما يدور في المشهد اليمني يبدو كأنه حربان: حرب عاصفة الحزم التي تضرب من الجو والبحر مراكز القوة العسكرية للحوثيين وحلفائهم أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وحرب أنصار الله الحوثيين وحلفائهم المستمرين في الهجوم البرّي للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض. لا ما يلحقه القصف الجوي بالحوثيين من خسائر يحول دون اصرارهم على السعي للسيطرة على عدن ومحافظات الجنوب أو يدفعهم الى اعادة النظر في المسار الذي قادهم بثمن باهظ الى تجاوز الخطوط الحمر، ولا مخاطر السيطرة على عدن وإبقاء الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي بلا موقع داخل اليمن تستعجل التدخل البري.
لكن المشهد اليمني، بما فيه صور الحربين، ليس سوى جبهة في حرب أكبر. فلا انقلاب الحوثيين هو العامل الوحيد الذي قاد الى تحالف دول عشر عربية واقليمية. ولا الاستقطاب الحاد في المواقف رسمياً وشعبياً تبعاً للمواقع المذهبية في عواصم المنطقة هو مجرد قراءة في حدث محلّي يمني. لا السعودية والدول والقوى المتحالفة معها وضعت ما يدور في اليمن خارج اندفاع المحور الايراني في التوسع الجيوسياسي، حيث لبنان وسوريا والعراق واليمن حلقات مترابطة. ولا طهران والقوى المتحالفة معها تنظر الى عاصفة الحزم خارج الهيمنة على اليمن واللعبة الكبيرة في حرب سوريا وحرب العراق والصراع المضبوط في لبنان.
ذلك ان المسألة، كما طرحها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، ليست محصورة بما يهدد الأمن في اليمن ومحيطه القريب. وأقل ما أعلنه أمام مجلس الشورى هو ان امن اليمن جزء لا يتجزأ من امن السعودية والخليج والامن القومي العربي. والكل يعرف ان ما يهدد الامن القومي العربي هو أبعد من وصول المحور الايراني الى باب المندب وما يشكله ذلك من خطر على الملاحة العربية والاقليمية والدولية. فكيف اذا كانت ايران تلعبها مكشوفة، وهي تتصرف على أساس ان امنها الاستراتيجي مهدد في لبنان وسوريا والعراق واليمن وليس امامها سوى القتال؟ وكيف اذا كان قرار في قمة شرم الشيخ بالموافقة المبدئية على انشاء قوة عربية مشتركة يتعرض للتحفظ عنه عراقياً ولمساءلة لبنان عن اللاتحفظ؟
حرب اليمن أخطر من ان تسمح لأي طرف بنسيان تاريخ البلد وجغرافيته. ولا مخرج منها الا بحل سياسي ينطبق على الانقلاب عليه قول تاليران الشهير: أكثر من جريمة، إنها غلطة.