المدهش حتى الآن هو أنّ الشغور الرئاسي الذي تمادى حتى ولوج عامه الثالث بعد أسابيع قليلة، لم تنتج عنه وفي مواجهته، حالة مصدومة منه، شعبياً ومجتمعياً وضاغطة بجدية وثبات على الجسم النيابي لـ «إجباره» على واجبه الدستوري وانتخاب رئيس.
إن تأخر قوى الرابع عشر من آذار تحديداً كل هذه المدة لاثارة موضوع الشغور الرئاسي بوصفه عملية طويلة وخطيرة، وغير مضمون أبداً ما بعدها، ساهم في تصدّع التلاقي الموضوعي الذي جمع هذه القوى لسنوات.
بالطبع، اكثرية اللبنانيين، بالمطلق، تريد رئيساً للجمهورية في أسرع وقت. لكن لا يمكن الحديث عن تعبئة سياسية أكثروية شعبياً تعطي موضوع الشغور الرئاسي ما يستحقه ليتحول الى موضوع ضغط تصاعدي بالتوازي مع استفحال الشغور.
بالعكس: كلما تمادى الشغور اشتد منطق «المرشح الفلاني» وإلا الفراغ الى وقت غير منظور.
الشغور رغم استفحاله ما زال يعامل في الرأي العام كأمر من الممكن أن ينتهي فتعقبه «عودة عادية» الى المؤسسات، بحيث ان تداعيات الشغور تنتهي حين تمتلئ السدّة.
فمن أين تأتي كل هذه الطمأنينة؟ من أين تأتي الطمأنينة بأن استفحال الشغور لا يهدَد الأسس الميثاقية والدستورية للنظام السياسي، وبأن ثمة «يداً خفية» تحفظ الاستقرار الهش للحكومة والبلد رغم امتداد الشغور؟
حتى الآن هذا الشغور يوازي ثلث ولاية رئاسية. ثلث ولاية رئاسية عايشها اللبنانيون في ظل تركيبة حكومية معينة، وفي ظل متلازمة التمديد الذاتي للمجلس وتعطل عمله دستورياً ما دام هناك نص واضح يوجب عليه ان يفقد صفته التشريعية الى حين انتخاب رئيس، هذا علاوة على «تقادم» صفته التمثيلية.
وليس هناك بين من يشترط ابتزازاً مسبقاً لكل الآخرين قبل المشاركة في جلسة الانتخاب، اي قوى الثامن من آذار، من بإمكانه ان يقول بأن ابتزازه هذا ملزم بحد زمني. نظرياً يمكن ان تمتد هذه الحالة الى ما لا نهاية.
عملياً يعني هذا ان «الثامن من آذار» ما زال مسلكاً «حياً يرزق»، بصرف النظر عن ثنائية المرشحين عون وجعجع والانقسام حولها هنا وهناك.
اذاً؟ ما دامت القسمة بين المرشحين «لا مخرج منها» حتى اشعار آخر، هل من عمل لإعادة اعطاء موضوع «الذهاب الى جلسة الانتخاب» اهميته التمييزية بين فريقين؟
لكن هذا ممتنع مسبقاً ما دام الملتقون على مبدأ «الذهاب الى جلسة الانتخاب بلا شرط سابق» ينقسمون بين دعم مرشحين من فريق يجمع بكليته على عدم الذهاب الى الجلسة لكيت وكيت من الاسباب، ليس فيها الا سبب جدي واحد وحيد: انها ارادة «حزب الله».
منطق المشاركة الشرطية بجلسة الانتخاب لا يمكن التحايل عليه مواربة. اما تظهيره على انه مشكلة خطيرة على طول الخط، واما شيوع مناخ «البازار» السياسي في الموضوع الرئاسي .. انما بازار ليس هناك شيء جدي يُفاوض عليه!