«رأيتُ القاتل يضع المسدس على بطن المغدور ويطلق الرصاص«.. رئيس تيار «الانتماء اللبناني« أحمد الأسعد شاهِدٌ بالصوت والصورة على قتل هاشم السلمان في 9 حزيران 2013، وهذا ما أعلنه في ذكرى الأسبوع على اغتيال الشاب ابن الثلاثين ربيعاً.
في الواقع إن كل لبنان يشهد.. وكل من يرى الصور حيث ينهال فيها المجرمون بالضرب والنار على المتظاهرين أمام السفارة الإيرانية. عارفو هاشم يشهدون لجرأته ودماثته وحسن أخلاقه.. ذاك الشاب المندفع الذي أراد الدفاع عن أبناء الجنوب الذين انخرطوا مع «حزب الله« في القتال في سوريا، وقد شيّعت بلدته عدلون شباناً عادوا الى أهلهم محمولين على الأكتاف.
هاشم هو العلامة البيضاء المسالمة في سجل «حزب الله« وحلفائه من أمن السفارة الإيرانية الأسود. باستشهاده سجّل نقطة لصالح كل لبناني معارض لتدخّل «حزب الله« في سوريا.. وإن كانت فكرة الموت لا يمكن الاعتياد عليها أو التأقلم معها، خصوصاً بالنسبة الى أخوته وأقربائه وأصدقائه، إلا أن بعثرة مسرح الجريمة والتغطية على القتلة وإخفاء الأدلة باتت متلازمة مع جرائم الاغتيال في لبنان، تماماً كما حصل بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. على الرغم من ذلك، فقد وعد وزير العدل اللواء أشرف ريفي، بعد إعادة تكوين ملف مقتل هاشم السلمان، بمتابعته قضائياً. كثر من السياسيين يذكرون هاشم السلمان في تصريحاتهم كونه الصورة الصارخة المؤرَّخة المصدر حيث يشكل مقتله جريمة مفضوحة الفاعل والمحرّض والغرض.
عدلون التي تزدحم جدرانها بصور أبنائها الذين سقطوا على جبهات مختلفة سابقاً، وصولاً الى «حركة أمل« و«حزب الله«، يتميّز فيها هاشم عن الجميع، فهو لم يمت مظلوماً، كما قال الأمين العام لـ«حزب الله«، وعبثاً يحاول من قتله تسويق فكرة «تجهيل« الفاعل.. فكيف يكون القاتل مجهولاً فيما صوره تتناقل حتى اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي؟.
منطقياً يمكن طرح السؤال التالي: «كيف يموت أبناء الطائفة الشيعية من الذين يرسلهم حزب الله للقتال في سوريا؟«، من الطبيعي أن يكون الجواب: «على يد الجماعات التي تقاتل ضدّ النظام السوري وحزب الله معاً«. بناء على ذلك، ليس هناك من صور تجرّم الفاعل.. وإذا طبّق «المنطق« على استشهاد هاشم، يكون الجواب: بما أن هاشم كان ينتقد تدخّل «حزب الله« في سوريا، ولأن الحزب خاضع لإيران، فكان لا بدّ من أن تكون وجهة اعتصامه السلمي السفارة الإيرانية، التي يشكّل جزءاً من أمنها الأساسي شبّان ينتمون الى «حزب الله« وعلى تنسيق دائم مع المعنيين بالأمن.. ولأن هؤلاء مخلصون لإيران وسفارتها وأوفياء لثقافة القتل لم يتقبّلوا أي تحرّك مضاد من أي لبناني، وهم يعلمون بأن هاشم كان يقود المجموعة.
هاشم قُتِل، مظلوماً أو مغدوراً، لقد قُتل كما يُقتل يومياً شباب من أبناء طائفته، جميعهم ظلمهم وغدر بهم حزب شيعي لبناني ذات أيديولوجية تتبع ولاية الفقيه، كما غدر برفيقاته ورفاقه الذين لم يفلتوا من الضرب بالعصي من مناصرين لـ«حزب الله«. هاشم ورفاقه لم يتوقّعوا ردّة فعل كهذه، وإلا لما توجّهوا الى المكان، هم الذين يتميّزون بالوفاء المتوارث لآل الأسعد من عهد الرئيس كامل الأسعد الذي يناقض عهده العهد الحالي الذي يعيشه الجنوب وأهله، فهم ليسوا كما يصوّرهم الحزب المسيطر اليوم، شتّان ما بين ثقافة الموت وثقافة الحياة، وبين الديموقراطية وسيادة الرأي الواحد.
«قصة حياة صعبة« هكذا تختصر رولا شقيقة هاشم ما جرى مع شقيقها منذ طفولته. وتحكي رولا القصة «تيتّم هاشم باكراً، وكوني أخته الكبيرة كنت أساعد أمي بالاهتمام به منذ ولادته، وبعد وفاة والدتي حللتُ مكانها«. ليس سهلاً على الأخت- الأم أن تستعيد ذكرياتها منذ 30 عاماً، ليس لصعوبة ذلك وإنما للألم الممزوج بالحنين الذي يعتريها «أنا أوصلته الى المدرسة في اليوم الأول له، تماماً مثلما أوصلتُ أولادي لاحقاً، الشعور نفسه، أذكر أنه كان يبكي ويقول: «ما تتركيني«، اغرورقت عيناي بالدموع وأنا أنظر إلى يديه الممدودتين نحوي صارخاً «يا ماما«.
كان هاشم يفتقد والدته. فيما كان أقرانه يحضرون الهدايا لأمهاتهم كان هاشم يراقبهم ويبكي، ولما سألته المعلمة عن حاله أجابها «انا ما عندي ماما«، وتعلّق رولا «لقد قضى هاشم حياته يبحث عن الماما حتى التقاها باكراً جداً!» كان هاشم «يحسد« ريّان ابن رولا قائلاً «نيّالو ريان لأنو عندو ماما«، تقول رولا «حتى الآن كلامه يحرق قلبي، لم يكن يتفوّه إلا بالكلام الجميل والمهذّب والرقيق، كان ينظر إلي بخجل. كان يرفض دوماً أن يترك لبنان وإن لأيام معدودة لزيارة أشقائه في الولايات المتحدة، أَحبَّ جداً العمل في الأرض فآثار التراب كانت دائماً ظاهرة على يديه«.
تخبر رولا بأن هاشم كان يناصر كل إنسان محبّ للحرية والكرامة والسيادة والاستقلال، كان همّه أن يغيّر الواقع البشع. كان دوماً يستمع الى أغنيات الرئيس الشهيد بشير الجميل، وكان مثله الأعلى الرئيس الراحل كامل الأسعد الذي رفض حمل السلاح وتلويث يديه بالدم لا بل فضّل أن يبتعد عن السياسة. كان يعشق الشيخ بشير حتى أنه كان يشعر أنه صار جزءاً من شخصيته وكان يردد دوماً «أو منعيش بكرامة أو عمرها ما تكون هالحياة«.
في المرة الأخيرة قبل استشهاده، قال هاشم لأخته «في شي بدو يصير بدو يحكي عنه كل لبنان«. ولا تعرف رولا ما كان قصده من هذه العبارة، وتقدّر أنه واجه من تهجّموا عليه أمام السفارة وهو يقول «أنا بأرضي وبوطني، ما بفل من هون«. تتابع «عندما سمعت الخبر العاجل عن جريح أمام السفارة قبل ذكر الاسم، عرفتُ أنه هاشم«.
في 7 آب، نال هاشم نصيبه من الضرب، وفي 14 آذار كان من الأوائل الذين قصدوا ساحة الحرية وقدّم وردة للجيش اللبناني. «بعد استشهاده تيتّمتُ، ولا أنسى كلماته في عيد الأم الأخير منذ عامين قال لي «تقبريني يا ماما«، المجرمون لم يعدموا هاشم وحده وإنما أعدموا عائلة بأكملها«. تختم رولا: «صور هاشم تُملأ عليّ المنزل، حتى صورته وهو مضرّج بالدماء، وإن لامني البعض، لكن لا يمكنني أن أنظر الى عينيه فيها. كل يوم تختلط عليّ الأمور، فبدل أن أنادي لابني ريّان، أناديه باسم هاشم«.