لأنه الفراغ الرئاسي الأطول والأشد خطرا على النظام الدستوري اللبناني نتناول هذا الحدث في حلقتين انطلاقا من حقيقة صادمة اساسية هي سقوط كل رهاناتنا كمواطنين على لبننة تأتي على يد الطبقة السياسية، وكذلك عقم الرهان على تجارب تاريخية سابقة قد تستعاد لإنهاء وحشة القصر الفارغ في بعبدا . ولا بأس ان نبدأ بتراتبية مقلوبة ، من التجارب السابقة .
بعد غد الأربعاء يحطم الفراغ الرئاسي رقما قياسيا في اربع تجارب فراغ رئاسية عرفتها جمهورية الاستقلال الاولى وجمهورية الطائف . ومع أن الفراغ صار بفعل التجارب الاربع سمة ملاصقة للأزمات الداخلية المتداخلة مع ظروف خارجية قاهرة فان ذلك لا يعني ان نهايات التجارب الثلاث السابقة وظروفها تنطبق حرفيا على التجربة الحالية . لا مع الرئيس فؤاد شهاب الذي تمكن في غضون ايام قليلة بحكومته الانتقالية من انتخاب الرئيس شهاب نفسه ، ولا مع العماد ميشال عون الذي انتهت حكومته الانتقالية بالاجتياح السوري لقصر بعبدا ومن ثم انتخاب الرئيسين رينه معوض والياس الهراوي ، ولا مع مؤتمر الدوحة الذي جاء بالعماد ميشال سليمان رئيسا عقب الاجتياح المسلح في ٧ أيار لبيروت ، يمكن اسقاط الظروف والأحوال والتعقيدات نفسها على ٢٥ أيار 2014 . فاذا كان الخط البياني الشديد القتامة في مسار التجارب الاربع يرسم معالم الإضطراب الذي يعرض الموقع الدستوري الاول في الجمهورية اللبنانية للانتهاك الى حدود الإفراغ تحت وطأة نهايات عهود غالبا ما كانت تتراكم عليها تداعيات مثقلة بالأزمات الداخلية وبظروف خارجية قاهرة ، فان المعادلة التي تحكم التجربة الحالية تبدو مزيجا من هذا القدر القاتم مضافا اليه عامل اشد خطورة من كل ما سبق . انها حقيقة رسمتها سنتان كاملتان من الفراغ يجد اللبنانيون انفسهم بعدها في مواجهة بحث لبنان عن دوره الاستراتيجي في المنطقة . حتى من الباب السلبي للمداخلات الخارجية التي لعبت أدوارها التاريخية في صناعة مصائر لبنان السياسي وانتخاب رؤسائه ترانا الآن امام أسوأ ” طراز ” هجين من التدخلات . ثمة وجه شديد السطوة الاقليمية كذاك الذي تلعبه ايران في منع انتخاب رئيس للجمهورية . وثمة في المقابل وجه شديد اللامبالاة كذاك الذي يطبع مواقف دول عربية وغربية موصوفة بانها في نادي ” أصدقاء ” لبنان . امام معادلة كهذه ، ومع طبقة سياسية استنفدت كل الفرص المتاحة والفروض اللازمة لملء الفراغ لم يعد سقوط موقع الرئاسة الا نتيجة حتمية يستحيل اختراق السدود التي أقامتها على طريق منع الموت المتدرج للنظام الفاقد الرأس . وكأننا والحال هذه امام ربط جهنمي للازمة المستعصية بموت سوريا نفسها تدريجا في احدى اشرس الحروب التي ضربتها . فماذا عن الطبقة السياسية في سنتين تطلان على ثالثة من الفراغ ؟