< لو حاولنا التمييز بين أنظمة الحكم في دول العالم لخرجنا بتصنيفات كثيرة، إلا أن التقسيم الرئيس عادة ما يكون بين الديموقراطية واللاديموقراطية. اللاديموقراطية تتفرع هي الأخرى، غير أن الجانب الأكثر سلبية فيها هو نظام الحكم الدكتاتوري. تعريف الدكتاتور بحسب القواميس قريب جداً أو مشابه لتعريف الطاغية، مع أن الأولى ليست عربية بالأساس، إلا أن استخدامنا لها مع الوقت جعلنا نتعود على أنها جزء من اللغة العربية. بتصوري أن كل طاغية يجب أن يكون ديكتاتوراً، ولكن ليس كل ديكتاتور طاغية. لكي أوضح فإنني سأدرج أنموذجين في التاريخ المعاصر وعن الفارق بينهما من وجهة نظري الشخصية. المثال الأول هو الرئيس الراحل صدام حسين، فهو برأيي يمثل الأنموذج المثالي للطاغية، بينما المثال الآخر هو الرئيس الراحل فيدل كاسترو الذي هو دكتاتور بلا شك، ولكنه ليس بطاغية. لماذا؟ لنبدأ بشخصية صدام حسين الذي نجح مع حزب البعث الذي ينتمي له بالانقلاب في 1968 ليتعين نائب للرئيس. لم يصل عام 1979 إلا وصدام حسين رئيساً مطلقاً للعراق، لكن تم هذا بعد أن صفى رفاقه في حزب البعث وأباد الشيوعيين وقتل كل من خالجته ذرة شك به، ناهيك عمن أودعوا المعتقلات وعذبوا. ولعل من صفات صدام السيئة أنه لا يرحم قريباً أو صديقاً أو بعثياً أو سنياً أو شيعياً أو كردياً أو آشورياً أو مسيحياً إذا اعتقد ولو للحظة أن هناك نوع ولو قليل من الاحتمالية بأن هذا قد يكون مخالف له سياسياً.
في أحد اللقاءات التلفزيونية، قال الكاتب حسن العلوي الذي كان يوماً من رفاق صدام وهرب من العراق بعد إعدامه لعدنان الحمداني ابن عمة العلوي أنهم أطلقوا عليه 29 رصاصة بتهمة الخيانة مع أن الحمداني كان من المقربين جداً لصدام وعلق باكياً: لما 29 رصاصة؟
وقع صدام اتفاق حدود مع شاه إيران في الجزائر في 1978 إلا أنه مزقها في 1980، وهي أحد الأسباب الرئيسة للحرب مع إيران التي استمرت ثمان سنوات سقط فيها مليون قتيل بين الطرفين. بمجرد أن انتهت الحرب بسنتين قبل بكل ما كان يحارب إيران من أجله ومن ثم غزا جارته الكويت واحتلها وأسماها المحافظة الـ19، وهدد بغزو دول الخليج وبالذات السعودية ولم يخرج إلا بعد أن حاربته دول التحالف بقيادة أميركا، وكالعادة كان الضحايا من الكويتيين ومن ثم العراقيين أكثر من أن يحصوا، والنتيجة النهائية ما ترونه الآن. على رغم علاقة العراق الجيدة في منتصف التسعينات مع الأردن إلا أن صدام وبعد لجوء أزواج بناته وآباء أحفاده إلى الأردن ومن ثم عودتهم بعد تعهد من صدام بعدم معاقبتهم أمر بقتلهم من دون اكتراث لمشاعر بناته أو أحفاده، قاطعاً الشعرة الرقيقة التي كانت تربطه بالملك الراحل حسين بن طلال. استطاع صدام أن يحول بلاده إلى جمهورية الخوف كما اسماها عدنان مكية في كتابه الشهير. وقصفه لحلبجة بالكيماوي أحد جرائمه التي عملها في شعبه وما زالت آثارها باقية إلى الآن. وأضف على ذلك ما ذكره حردان التكريتي وزير الدفاع العراقي السابق في كتابه: «كنا عصابة من اللصوص والقتلة خلف ميليشيات صدام للإعدام». كل ما تقدم لا يجوز مقارنته بالديكتاتور، ولعل فيدل كاسترو الذي كتبت مقالة عنه قبل أسبوعين في هذا المنبر، يمثل الجانب الإيجابي من الدكتاتور، فهو كما يقول أصدقاؤه بل وأعداؤه الأميركيين، طور من بلاده تعليمياً وطبياً واجتماعياً – مع التسليم باحتكاره للسلطة – على رغم الحصار المحكم الأميركي على بلاده.
كاسترو وفي لقاء مع السناتور الأميركي ألين سبيكنر عندما سأله الأخير عن انتهاك كوبا لحقوق الإنسان قال له متحدياً: «ما هو تعريفك لحقوق الإنسان؟ هل هناك دليل على وجود تعذيب في كوبا؟ ليست لدينا أموالاً كثيرة، ولكن سنعطيكم كل ما نملك إذا أثبتم لنا أن هناك شخصاً تعرض للتعذيب هنا خلال الأعوام الـ43 الماضية، ولا يوجد أشخاص مفقودون في كوبا».
وعندما سألهم «جيم أكوستا» من «سي إن إن» عن السجناء السياسيين، أجاب شقيق كاسترو والرئيس الحالي لكوبا راؤول قائلاً: «حسناً، أعطني قائمة بالسجناء السياسيين، وسأطلق سراحهم مباشرة.. فقط أعطني قائمة بأسمائهم». وأضاف: «أي سجناء سياسيين؟ أخبرني عن اسم أو أسماء، أو متى تم سجنهم، بعد انتهاء هذا الاجتماع، وإذا كان لدينا هؤلاء السجناء، فسيتم الإفراج عنهم الليلة». (من مقالة للكاتب الأميركي مايكل سميركونيش في 29-3-2016 في صحيفة البيان الإماراتية).
الإعلام الأميركي يتميز بالحرية وهذه حقيقة لا تنكر، لكن الانقياد إلى كل ما يقوله والتبصيم على صحته أمر آخر، وكثير من القضايا التي حدثت نعرف لاحقاً أنها كانت ملفقة، وبالتالي كان هذا الإعلام جزءاً من هذه القصة.
ما يؤكد تواطؤ الإعلام أحياناً أن المقرر الخاص الأممي حول الحق في الغذاء السويسري جون زيغلر، بعد زيارته لكوبا في 2007 تعرض لانتقادات حادة من الإعلاميين ومنهم أميركيون، وخصوصاً ذوي الأصول الكوبية عندما نفى أن هناك إثباتات حول التعذيب في كوبا.