سعت دولة الإمارات العربية المتحدة مشكورة، وولي عهد أبو ظبي تحديداً الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى توجيه رسالة أمل إلى لبنان من خلال استضافة المؤتمر الاستثماري الإماراتي – اللبناني، والذي انتهى برفع الحظر عن سفر الإماراتيين إلى لبنان، إضافة إلى البحث الجدي بإمكانية تقديم مساعدات على أكثر من مستوى، ما يؤكد استمرار الدعم الإماراتي للبنان الدولة والاقتصاد.
ومن يعرف خفايا السياسة الإقليمية والدولية يدرك تماماً أن الرسالة الإماراتية ليست معزولة في الزمان والمكان لأن التنسيق الإماراتي – السعودي – الأميركي في أعلى مستوياته. وبالتالي فإن على لبنان – الدولة اليوم اقتناص الفرصة على أكثر من مستوى:
ـ المستوى الأول هو الاقتصادي – المالي والذي بات يتطلب سلسلة إجراءات إصلاحية في العمق تجعل لبنان جاهزاً لتحفيز الاستثمارات العربية والدولية التي يمكن استقطابها، والجاهزة عملياً سواء من خلال مؤتمر “سيدر” الذي يستلذّ البعض نعيه، وسواء من خلال الشراكة العربية مع المستثمرين الإماراتيين والسعوديين الذين لطالما لعبوا أدواراً رائدة برفد الاقتصاد اللبناني باستثماراتهم. لكن هذه الاستثمارات لن تأتي من دون إصلاحات جذرية تشكل الضمانات المطلوبة لرؤوس الأموال والصناديق العربية والغربية. فزمن الفساد المستشري المتلطي تحت عنوان الفوضى لا يمكن أن يستمر لأنه بات يشكل عائقاً أمام جذب الاستثمارات. وعودة الاستثمارات العربية والغربية وضخ العملة الصعبة إلى الأسواق اللبنانية ستكون كفيلة بعودة التوازن إلى الميزان التجاري المختل والذي يكاد يتسبب بانهيار سعر صرف العملة الوطنية.
ـ المستوى الثاني هو السيادي للدولة اللبنانية التي لا يمكنها بعد اليوم أن تطلب المساعدات والاستثمارات من دول، وفي طليعتها الدول الخليجية، حين تكون الإمارات والسعودية تتعرضان حتى اليوم لأبشع الهجمات السياسية والإعلامية من “حزب الله” ومن وما يدور في فلكه من أطراف ومؤسسات إعلامية. فمصلحة الدولة اللبنانية العليا أن تلجم أي تطاول على الرياض وأبو ظبي أياً يكن مصدره، كما على الحكومة اللبنانية بقيادة رئيسها سعد الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يثبتا أنهما يحكمان بالفعل لا بالاسم، وذلك من خلال تقديم البراهين عن حسن النية تجاه الدول الخليجية، وعدم التلطي خلف محاولات التمييز بين “حزب الله” اللبناني و”حزب الله” الإقليمي.
ـ المستوى الثالث هو تأكيد الحكومة اللبنانية العودة إلى تطبيق سياسة النأي بالنفس في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وعدم السماح لأي من مكونات الحكومة بالعبث خارج الحدود أو تهديد مصالح الدول الخليجية أيا تكن الذرائع.
إن لبنان أمام فرصة تاريخية محدودة في الزمان، وأمام الدولة أسابيع لا أكثر لتأكيد جديتها في الحفاظ على الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي. فالدول تتعاطى انطلاقاً من ضرورة حماية مصالحها العليا، وعلى لبنان أن يبادر في هذا الاتجاه وليس انطلاقاً من تأمين خدمات مجانية للمحور الإيراني في المنطقة على حساب لبنان وشعبه واقتصاده واستقراره.