Site icon IMLebanon

فرصة إماراتية للبنان  

 

هناك رغبة إماراتية في مساعدة لبنان. هذا ما عكسته الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لابوظبي على رأس وفد كبير ضم، إضافة الى وزراء في حكومته، مسؤولين كبارا ورجال اعمال وممثلي قطاعات لبنانية معنية بإعادة الحياة الى الاقتصاد اللبناني.

 

لم تكن الامارات يوما غير داعم للبنان واللبنانيين استقبلت مئات الآلاف من هؤلاء ووفّرت لهم فرص عمل. اكثر من ذلك، عندما دعت الحاجة الى مبادرات محدّدة ذات طابع انساني وسياسي، لم توفّر الامارات منذ ايّام الشيخ زايد، رحمه الله، أي جهد لمساعدة لبنان. يظلّ تنظيف جنوب لبنان من الألغام التي زرعت فيه خير دليل على ذلك. هناك فريق اماراتي ارسل الى لبنان كي يساهم في حملة تنظيف الجنوب من الألغام التي زرعها الإسرائيلي ابان الاحتلال. هناك مستشفيات ومستوصفات بنتها الامارات في لبنان.

 

لم تفرّق الامارات يوما بين لبناني وآخر ومنطقة لبنانية وأخرى. من لديه بعض الذاكرة، يستطيع العودة الى العام 1976 ومساهمة الامارات في قوات الردع العربية التي أرسلتها جامعة الدول العربية الى لبنان من اجل تمكين البلد من استعادة وضعه الطبيعي بعد حرب السنتين.

 

للأسف الشديد، ما لبثت هذه القوات العربية ان تحولّت الى قوات سورية في ظلّ الرغبة التي لم يخفها النظام السوري في وضع اليد على لبنان. من لديه بعض من ذاكرة أيضا، يستطيع العودة الى دور الامارات في دعم الجيش اللبناني في معركة مخيّم نهر البارد التي واجه فيها عصابة «فتح الاسلام» المرسلة من سوريا الى المخيم الفلسطيني صيف العام 2007. يعود الفضل في جزء من الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني، بعد تضحيات كبيرة، الى الامارات وفهمها خطورة ان يتمرّد مخيم فلسطيني في شمال لبنان على السلطة اللبنانية خدمة لاهداف سورية وايرانية في الوقت ذاته. الم  يقل حسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» وقتذاك ان نهر البارد «خط احمر» مع ما يعنيه ذلك من انّه يجب ترك عصابة «فتح الإسلام» التابعة للأجهزة السورية تسيطر عليه؟

 

ما لا بدّ من ملاحظته ان الاساءة الى العلاقة بين البلدين جاءت من لبنان. والكلام هنا عن طرف لبناني محدّد مارس نشاطات معادية للامارات خدمة لإيران. هذا الطرف هو «حزب الله» الذي وضع نصب عينيه عزل لبنان عن محيطه العربي بغية استفراد ايران به. لم يسئ الحزب، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني الى لبنان واللبنانيين عموما فحسب، بل اساء الى كل شيعي لبناني أيضا.

 

على الرغم من ذلك كلّه، تتجاوز الامارات كلّ الاعتبارات والاساءات التي تعرّضت وما زالت تتعرّض لها، فتتفهّم ظروف لبنان وتبادر الى دعمه معتمدة على نظرة جديدة وعصرية الى مفهوم العلاقة بين الدول. تقوم هذه النظرة على المصلحة المشتركة وليس على تقديم الهبات، كما كان يحصل في الماضي. هناك نوع من المساعدات القائمة على مشاريع مشتركة الاماراتية – لبنانية توفّر فرص عمل للبنانيين وتستفيد منها الامارات في الوقت ذاته. من بين هذه المشاريع استثمارات في الامن الغذائي الاماراتي انطلاقا من لبنان وأخرى في مجال الطاقة، فضلا بالطبع عن الاستثمار في مجال حقول الغاز المكتشفة قبالة الشاطئ اللبناني.

 

واضح ان الرغبة الاماراتية في دعم لبنان عبر زيارة الرئيس الحريري التي اخذ التحضير الجدّي لها اشهرا عدّة، تضع لبنان امام تحديات. في مقدّم هذه التحديات هل يستطيع لبنان الارتقاء الى مستوى الطريقة العصرية التي تعتمدها الامارات في دعم الدول الأخرى التي يهمّها امرها؟

 

ليس سرّا ان السماح بسفر الاماراتيين الى لبنان عنوان لمرحلة جديدة في العلاقة بين البلدين. الأكيد انّ هؤلاء لن يعودوا الى لبنان بالطريقة نفسها التي كانوا يذهبون فيها اليه في الماضي. لن يستثمروا في لبنان بين ليلة وضحاها، لن يشتروا شققا، كما كانوا يفعلون في الماضي القريب. الاهمّ من ذلك كلّه انّهم لن يضعوا أموالهم في المصارف اللبنانية في وقت يشهد فيه البلد ازمة سيولة وعدم توافر الدولار في اسواقه… لكنّهم سيعودون شيئا فشيئا.

 

يبقى ان الامارات تعرف جيدا ظروف لبنان وتعقيدات واوضاعه الداخلية وكون «حزب الله» الموجود في الحكومة حالة «إقليمية». تعرف خصوصا انّ هناك في لبنان من لا يزال يقاوم الاستعمار الايراني الذي يسعى الى تحويل لبنان الى جزء لا يتجزّأ من «محور الممانعة» الذي يسيّر من طهران. هناك في لبنان من لا يزال يقاوم. هناك شيعة لبنانيون ما زالوا يقفون بجرأة في وجه «حزب الله» بكلّ الوسائل الممكنة. لا شكّ ان تجربة العراق، حيث شعار الانتفاضة الشعبية الأخيرة المستمرّة «ايران برّا»، تدعو الى عدم الاستسلام نهائيا الى رغبات ملالي ايران. فمن بغداد الى بيروت، يعرف كلّ عربي ان المعركة واحدة. انّها معركة تفادي السقوط في الفخّ الايراني الذي في أساسه الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية.

 

لم تقدّم الامارات يوما سوى الخير الى لبنان. هل يستطيع لبنان الارتقاء الى التحديات التي تفرضها زيارة سعد الحريري لابوظبي؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بعد الزيارة، وهي تحديات تأتي في وقت يصعب في الحديث عن وضع داخلي متماسك في لبنان حيث الحاجة اكثر من ايّ وقت الى إصلاحات جريئة من اجل تفادي انهيار كبير على الصعيد الاقتصادي.

 

تعرف الامارات، التي تجاوزت الاساءات، ان لبنانيين كثر لا يكنون لها سوى المحبّة والتقدير وانّ هؤلاء يعتبرونها وطنهم الثاني. هؤلاء جزء من نهضتها. ربّما ساعد الامارات، خصوصا الشيخ محمّد بن زايد في تفهم ما يدور في لبنان، الخبرة الطويلة في المجال الايراني. فايران تحتل منذ العام 1971، أي منذ ايّام الشاه، ثلاث جزر إيرانية هي طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى. لم يحصل أي تغيير في الموقف الايراني بعد سقوط الشاه. تبيّن ان شيئا لم يتغيّر بالنسبة الى الاطماع الايرانية في المنطقة. هذه هي ايران التي ترفض ايّ تفاوض في شأن الجزر الاماراتية الثلاث.

 

اعتمدت الامارات اسلوبها الخاص في مواجهة ايران برفضها الاستسلام للامر الواقع الذي تحاول فرضه وتأكيدها في كلّ مناسبة ان الجزر إماراتية. قد يكون ذلك، من بين اسباب أخرى، ما يدفعها الى دعم لبنان في هذه الظروف الدقيقة التي يمرّ بها كجزء من مساهمة في التصدّي للمشروع التوسّعي الايراني في المنطقة كلّها. ما حصل، من خلال زيارة الرئيس الحريري لابوظبي، فرصة للبنان يصعب تحديد هل يستفيد منها ام لا وهل يسمح له «حزب الله» ومن خلفه ايران بذلك؟