الأكثر بشاعة في العام 2015 أن يتحول خبر قتل الأطفال أو غرقهم وهم يفرون من الجحيم، أو تجنيدهم في معسكرات القتل، خبراً عادياً. أن يعتاد العرب على أنباء سبي النساء وتجريدهن من إنسانيتهن، واقتلاعهن من أوطانهن… وأن لا يرفّ لنا جفن لمشاهد العجّز وهم ينفضون عن وجوههم الدماء كالغبار، ولا يجدون يداً للرأفة.
2015 تفوّق على ما قبله في بشاعة عند الذروة، لا مؤشر أمل الى أن 2016 لن ينافسه قسوة وبطشاً. ولكن لماذا السواد والتشاؤم مجدداً، واختياره لوصف حال ما يحصل في عالم العرب؟
يبشّرنا سمسار بشع خارج المنطقة، بأن حصته فيها ستكون كعكة دسمة لشركات صنع السلاح، وبأنه سيبيع منه بالبلايين. وأما العائد فذو وجهين، للسمسار البلايين، ولنا آلاف القتلى والمشردين والأرامل.
أيهما أبشع، السمسار أم القاتل، أم الساكت عن المذبحة الكبرى، أم تجّار الدين و «الفتاوى»، والذين صادروا الثورات فحوّلوها الى طاعون!؟ ولماذا نلوم الأميركي صاحب النيات الطيبة الذي لا يرضى بارتفاع معدّلات القتل وأرقام الضحايا المدنيين في سورية، فَيَمُنُّ عليهم بتصريح… تعاطف.
بعد 5 سنوات من المذبحة، هل نتفاءل بأن هدف القاتل «الضيف» وقف حمّامات الدم، ودكّ «الإرهاب» لفرض السلام بالصواريخ؟ أم نراهن على حزن أوباما لعل «الضيف» يتّعظ، ويجمّد مشاريع الثأر من الغرب الجشع؟ أليس صحيحاً أن سورية ضمان للأمن القومي الروسي، فإذا استراحت اللاذقية وغوطة دمشق ودرعا، نام الكرملين على حرير القوقاز؟ وهل كثير على «الضيف» أن يراهن على مَنْ يبقى من السوريين حياً، لينتخب بشار الأسد رئيساً، ويستبدل القبّعة الروسية بالعمامة الإيرانية؟
البشع 2015 لم يتّعظ من مآسي سنوات، حوّلت أوطاناً الى مخيمات، وزُمَر مسلحين قَتَلة الى دولة جوّالة، واستفزّت «القاعدة» لتجديد شبابها، وإلا استأثر «داعش» بكل «ملاحم الخلافة» و «بطولاتها».
الأبشع أن يتحول كل كلام الى مجرد مرثية تستنسخ ما قبلها، إلى أن يأتي يوم نستبدل فيه القاتل القاهر- بكل طيرانه وصواريخه- بقاتل جوّال… نبقى مستعبَدين، وراءنا سلطة قتل بـ «داعش» أو بديكتاتور «شرعي» بقبعة أجنبية، وأمامنا البحر، وبينهما جهنم إبادة.
هل يكفكف دموع الأطفال الذين اغتالت الحروب براءتهم وأحلامهم، أن يعزي العرب أنفسهم لأن أوروبا الحضارية التعدُّدية شهدت في قرون مضت، ما هو أكثر وحشية وبشاعة من فظائع «داعش» والديكتاتوريات، والطوابير الخفية التي ذبحت ثورات، وأخفت أبطالها؟
بين 2011 و2015 كم عربياً تخرّج في جامعات ولم يلتحق بكتائب البطالة والفقر والهجرة؟… أقصر الطرق الى التطرُّف.
كم عربية لم يقلقها الخوف من المتشدّدين، وهجرة أبنائها الى «الجهاد»؟ كم عربية لم تهدر البطالة كرامتها، ولم يشجّعها الفقر وجشع الساسة على الهروب الى المجهول؟
الأبشع أن الأوطان تكاد أن تفرّ من الخرائط! وطن الخيَم لا يصنع أملاً ولا يضمن رغيفاً. ولكن، هل يكفي أن نلعن الذين صادروا كل أمل باسم الدين زوراً، وأن نرجم الديكتاتور بنظرات المآسي والفظاعات؟
هل يسجّل التاريخ أننا الأمة- الأمم التي حطّمت أرقاماً قياسية في دورات العجز والفشل؟… نلعن الظلام وننتظر من يرجمنا.
2011- 2015- 2016 مجرد أرقام، لا أوطاننا تقل سواداً، ولا فشلنا يعلّمنا أن الأمم لا تنهض بالتمنيات، والتلطّي بسواد الظلام، وتوزيع اللعنات… في السياسة لا أخلاقية في زمن الإرهاب وعصابات الجهل. من دجلة الى الفرات، والغوطة ودرعا وبنغازي وطرابلس.
فلنلعن الظلام، ونتفرّج! هل يكفي أن نحتجّ على «مؤامرة» الروس، ونشمت من تجسُّس أوباما على نتانياهو؟