IMLebanon

هل يحقّ لنا الابتهاج؟

 

 

عودة إلى السؤال ــــ الإشكالية: هل يحقّ لنا الابتهاج بما يحصل؟

 

مثل كل شعوب العالم، سنضطرّ إلى الاستماع إلى البيانات والخطب الصادرة عن الغرب مندّدة بالاستبداد وداعية إلى حماية الديموقراطية. عملياً، لم يعطنا الغرب درساً أقل قساوة في تعليمنا الديموقراطية. كل شعوب العالم صُنِّفت على أنها غير قادرة على إدارة أمورها بنفسها. لكن الرجل الأبيض، الذي تبيّن مرة جديدة أنه موجود فقط في بعض دول العالم الغني، هو من يقرر كيف تكون الديموقراطية، وكيفية تعليمها إلى من يجب. وهو فقط من يقرر ما إذا كان يحق لك القتال في أرضك أو بعيداً عنها دفاعاً عن مصالحك. لذلك، لنضع جانباً فكرة النقاش مع الرجل الأبيض في كل ما ينوي فعله في مواجهة روسيا اليوم أو غداً أو بعده!

السؤال الأول يتعلّق بمن يدفعون أثمان الصراعات العالمية على حكم العالم.

صحيح أن أميركا تبقى، كما بريطانيا وكل الغرب العنصري، أصل البلاء بكل منتجاته، وخصوصاً منها الديموقراطية، وأفضلها الديموقراطية الإسرائيلية التي تغزو بلادنا على حساب شعوب ودول وثروات. لكن الصحيح أيضاً هو أن حكومات كثيرة قامت في العالم في العقود الثلاثة الماضية، لم يكن في إمكانها البقاء يوماً من دون دعم هذا الرجل الأبيض ورعايته. ومن يحكم أوكرانيا، يعرف أنه قرّر بيع كل شيء للرجل الأبيض واتّكل عليه ليحمي حكمه ويطعمه ويحفظه، وهو يتّكل عليه اليوم لمنعه من السقوط.

والصحيح، أيضاً وأيضاً، أن روسيا لم تعد روسيا التي ينشد أهل الجنوب قوتها في الدفاع بوجه الظلم. كان فلاديمير بوتين، في خطابه الأخير، قومياً بصورة واضحة لا تقبل الجدل. الصين نفسها ليست في وارد قلب العالم نصرة لشعب مقهور في هذه المنطقة أو تلك. وفكرة أن نقبل الغزو الروسي لبلد آخر، بمعزل عما يجري من حوله، فكرة تدعو إلى القلق.

 

كل منطق العقوبات الأميركية والغربية على روسيا يعني دفعها ملزمة نحو «الخيار البديل»

 

 

لكن، كل ذلك لا يمنع من الابتهاج. والابتهاج، هنا، فعل مرتبط بالسياق الذي تذهب في اتجاهه التوازنات العالمية. ما فعله بوتين هو أنه حسم حقيقة أننا بتنا أمام معسكرين: شرقي وغربي.

ليس علينا الآن أن نقرر أين نقف. المهم هو فهمنا لمعنى الذي يحصل، وأن ننظر الى ما يجري من زاوية ما يحققه من مكاسب لنا، نحن أهل الجنوب. ولكي نفهم، فإن كل تصادم، صامت أو متوازن، بين الكبار، غالباً ما يتيح لأهل الجنوب إيجاد ثغرات تحسّن أوضاعهم ولو قليلاً.

بهذا المعنى، يصبح الابتهاج فعلاً متصلاً في كون الحرب القائمة اليوم، تفتح الباب أمام وقائع صلبة من نوع مختلف. كل منطق العقوبات الأميركية والغربية على روسيا يعني دفعها ملزمة نحو «الخيار البديل». في هذه النقطة، سيدفع بأهل الجنوب الخاضعين لكل أنواع العقوبات الغربية، نحو خيار العيش خارج المنظومة المقرّرة من الغرب. هذا يعني إلزام أهل الجنوب بالبحث عن إدارة مختلفة لأمور الحياة اليومية. للتجارة والشراكة والصناعة والتعاون الدولي. هذا يعني التخلي الطوعي عن القواعد التقليدية المفروضة من قبل الرجل الأبيض في كيفية الإنتاج والبيع والشراء والعمل والنمو والتطلع نحو الأفضل. كما يعني أن الدفاع عن الحق بقرار مستقل عن المنظومة الغربية له كلفته. وهي كلفة لا تقتصر على خسائر متوقعة نتيجة التصاق الاقتصاد العالمي بعضه ببعض. بل هي كلفة الانتقال الى شكل آخر من العيش.

الابتهاج، هنا، قد يكون فعلاً عاطفياً يمثّل شكلاً من أشكال الاحتجاج على العجز عن قلب الطاولة. لكنه ابتهاج من النوع الذي يقول لنا إن الرجل الأبيض لا يترك مجالاً لحل متوازن ولا لغير الاستسلام له، وإن الرجل الأبيض نراه مستفَزّاً فقط عندما يقرر الآخر رفع صوته المعترض. ويقترب من حافة الجنون عندما يقرر هذا الآخر تجاوز الصوت نحو فعل اعتراضي على الطريقة التي أقدمت عليها روسيا أمس.

ثمّة قدر هائل من القهر الذي يتسبّب به الرجل الأبيض لنا، كل يوم وكل ساعة. قلّة قليلة من شعوبنا تعيش حالة الذعر اليوم. وهي تخشى غضب الرجل الأبيض لأنها ترى فيه غضباً يطيح مكاسبها وامتيازاتها التي جنتها في ظل رعايته لها. بينما لا يملك المقهور سوى التنقل بين الشاشات، يستمع الى صراخ هذا أو ذاك. يحزن على أرواح بريئة، لكنه يفرح لمجرد أن الرجل الأبيض، الساكن في واشنطن أو باريس أو لندن أو برلين أو طوكيو أو مونتريال، يتقلّب في سريره باحثاً عن أيّ سكين يجب أن يغرزه في صدورنا، من أجل أن يتحوّل موتنا، مرة جديدة، الى فرصة هدوء ليعود الى نومه!

وحده قلق الرجل الأبيض، مدعاة للابتهاج!

 

من ملف : Хватит | كفى!