IMLebanon

أوكرانيا… حلول على وقع التهديد والوعيد

قبل أن يجفّ حبر «اتفاق مينسك» في شأن الأزمة الأوكرانية التي نشأت في 12 الجاري، عادت لغة التهديد والوعيد إلى واجهة التخاطب بين الأطراف المعنية كافة، الأمر الذي يضع ذلك الاتفاق على المحَك.

في الوقت الذي لا تهدأ الاتصالات اليومية بين زعَماء دوَل ما يُعرَف برباعية النورماندي (روسيا، فرنسا، أوكرانيا، ألمانيا ) لمتابعة تطبيق «اتفاق مينسك» لحَلّ الأزمة في أوكرانيا، يرتفع سقف التصريحات ليُعيد الأزمة إلى المربّع الأوّل. أولى المواقف الحادة لم تأتِ من موسكو وكييف، وهما الطرفان المَعنيان مباشرةً، بل إنّ واشنطن ولندن دخَلتا على خط التصعيد عقبَ توقيع الاتّفاق لتحقيق أهداف غير معلَنة، وفق ما ترى الخارجية الروسية.

إذ إنّ إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال لقائه نظيرَه البريطاني فيليب هاموند أنّ البلدين يعملان على فرض حزمة جديدة من العقوبات الإضافية على روسيا، ردّاً على سلوكها في أوكرانيا، دفعَ كييف مجدّداً إلى التحَوّل نحو نهجِ وضعِ العصيّ في الدواليب في عمليات التطبيق الميداني لبنود مينسك.

وهذا ما تمَثّلَ برفض الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو كلّياً فكرةَ منحِ منطقة حوض الدونباس حُكماً ذاتيّاً، عِلماً أنّ اتّفاق مينسك يلحَظ إجراءَ انتخابات لتقرير مصير المقاطعات الجنوبية والشرقية من البلاد ومستقبلها، ما يعني أنّ عدم التزام كييف كافّة بنود الاتفاق سيدفع بدوره قادةَ الدونباس وموسكو إلى إعادة النظر في مواقفهما، خصوصاً أنّ كييف لم تكتفِ بذلك، بل اختارت التصعيد المباشر ضد روسيا، وذلك من خلال رفضِها منحَ تراخيص عمل للتغطية الصحافية لمئة وسيلة إعلامية، منها ما هو روسي ومنها ما هو مسجَّل في روسيا.

ولم تتوقّف عند هذا الإجراء الذي يُعتبَر ضربةً قاتلة لحرّية الرأي والتعبير في البلاد، بل ذهبَت إلى أبعد من ذلك بإعلان نائب وزير خارجيتها فاديم بريستايكو أنّ بلاده تستعدّ لحرب شاملة مع روسيا، مطالِباً الغرب، وخصوصاً كندا، حيث أكبر جالية أوكرانية في المهجر، بتدريب الجيش الأوكراني وتزويده أسلحةً نوعية استعداداً لخَوض المواجهة العسكرية ضد روسيا.

عِلماً أنّ الرؤساء بوتين وهولاند وبورشينكو والمستشارة ميركل كانوا قد اتفقوا في مينسك على تأجيل فرضِ عقوبات على روسيا ووقف توريد الأسلحة إلى أوكرانيا إفساحاً بالمجال أمام تطبيق اتّفاق مينسك على الأرض في اعتبار أنّ تلك الخطوات تساهم في تبريد الأجواء وتبدّد الاحتقان الحاصل بين الأطراف كافّةً.

أوساط الخارجية الروسية تؤكّد التزامَ موسكو اتّفاقَ مينسك، في اعتبار أنّ التجارب الماضية أثبَتت أنّ الحلّ لا يتحقّق إلّا بتسوية شاملة تلحَظ مطالبَ طرفَي النزاع الأوكراني، وهذا ما يتطلّب وقفَ الإجراءات العسكرية وفتحَ صفحةٍ جديدة عنوانُها التفاوض على مستقبل الدونباس. وتَعتبر الأوساط أنّ دخولَ واشنطن ولندن على خط التصعيد سيدفع كييف إلى التملّص من التزاماتها تجاه تطبيق بنود الحلّ. الأمر الذي من شأنه أن ينسفَ كلّ الجهود الديبلوماسية التي أوصَلت إلى اتّفاق مينسك.

وتعزو التصعيدَ الأميركي والبريطاني إلى تفرّد باريس وبرلين وموسكو برعاية الحلّ في أوكرانيا، في حين أنّ واشنطن تَعتبر نفسَها الأب الروحي لسلطة كييف الجديدة. وتؤكّد هذه الأوساط أنّ لقاءَ وزراء خارجية رباعية النورماندي الذي سيُعقد اليوم في باريس سيشكّل محطة مفصلية، في اعتبار أنّه سيخرج بتقويم موضوعيّ لِما تمَّ تنفيذه حتى الآن من بنود اتّفاق مينسك، كذلك سيتناول الخطوات المقبلة وسيضع جدوَلاً زمنياً لتنفيذها.

ولا تستبعد الأوساط أن تشكّل المواقف التي أطلِقت أخيراً من واشنطن ولندن وكييف حجرَ عثرةٍ أمام لقاء باريس، لكن تبقى الكرة في ملعب باريس وبرلين لأنّهما أخَذا على عاتقهما متابعة تنفيذ الاتّفاق على المستويَين الميداني والسياسي.

وتؤكّد أنّ موسكو ملتزمة كلَّ ما تمّ التوصّل إليه في العاصمة البيلاروسية وأنّها ليست طرفاً في النزاع الأوكراني، وهي تشجّع الحلّ السلمي في دونباس مع الحفاظ على حقوق سكّان هذه المناطق ومصالحهم القانونية.