تضبط كلّ القوى السياسية والحزبية ساعتها على موعد الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، ومن دون أي اعتبار للمستجدات المحلية والخارجية أو المعوّقات التي لا تزال تحول دون العبور الآمن والأكيد إلى الإستحقاق في موعده الدستوري، بعيداً عن أية تداعيات مباشرة أو غير مباشرة للحدث الأوكراني، والمرشّح لأن يستمر فصولاً ، وفق ما تتوقع مصادر ديبلوماسية مطلعة في بيروت، إذ تلفت إلى أن روزنامة العالم قد انقلبت بكل عناوينها وأولوياتها، بفعل الحرب وعلى وجه الخصوص روزنامة المنطقة، بعدما أتت هذه الحرب، في الوقت الذي كانت فيه مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني توشك على الوصول إلى مرحلة إبرام تفاهم يقضي بإعادة العمل بالإتفاق النووي السابق الذي خرجت منه الولايات المتحدة الأميركية خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.
وتتحدث هذه المصادر عن تأثيرٍ لافت لهذه المسألة على المشهد الداخلي، إذ من الواضح اليوم، أنها قد تتأخر أو على الأقلّ قد تعلّق لفترة زمنية غير محددة، على مجمل المشهد الإقليمي وعلى وجه الخصوص على الساحة العربية، على الرغم من أن تأثير هذه الحرب لم يتبلور بعد على صعيد مسار فيينا، مع العلم أن الظروف المحيطة بالمفاوضات «الصعبة» والدقيقة على حدّ سواء، باتت اليوم محكومةً بالواقع الذي تمرّ به إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يسعى من أجل إنجاز الإتفاق مع إيران لكي يكون متاحاً له التركيز على المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.
وعلى إيقاع التطورات في فيينا كما في أوكرانيا، تبدو المسارات الداخلية على الساحة اللبنانية، منشغلة بعنوانين أساسيين اليوم: الأول هو الأمن الغذائي المهدد بفعل الأزمات العالمية وارتفاع أسعار المحروقات والقمح والمعادن والزيوت على مستوى الأسواق العالمية، والثاني هو استحقاق الإنتخابات النيابية المقبلة، والتي تشهد تسارعاً في وتيرة الإستعدادات الجارية على كل المستويات من أجل إجرائها في موعدها رغم كل الظروف والتحديات.
وفي هذا السياق، تشير المصادر الديبلوماسية إلى أن الإستحقاق الإنتخابي النيابي وملفاتٍ أخرى حيوية كخطة التعافي والإنقاذ والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وخطة الكهرباء ومشروع استجرار الطاقة والغاز من الأردن ومصر، باتت مرتبطة بمسار الواقع الدولي وتحديداً الأوروبي كما بواقع مفاوضات فيينا، لأن القوى الداخلية، كانت تتوقع مرحلةً من الإنفراجات على أكثر من صعيد، تسمح ببدء لبنان مسيرة الخروج من الإنهيار الحالي على الصعيدين المالي والإقتصادي، من خلال الحصول على دعمٍ مالي من صندوق النقد وبترجمة مجموعة الدول المانحة لالتزاماتها المالية تجاه لبنان. ولذا فإن تطور الحرب في أوكرانيا إلى حرب استنزاف ومن دون أي حسم ديبلوماسي أو عسكري في المدى الزمني المنظور، يجعل من كلّ هذه التوقعات، في غير مكانها وموقعها، ممّا يفاقم من حجم الأزمات الداخلية، خصوصاً المعيشية والإجتماعية بعد موجة ارتفاع الأسعار الجنونية للمحروقات في الأسواق، وتوازياً سيؤدي هذا الأمر إلى زيادة الأكلاف المالية والإقتصادية وبشكلٍ شبه يومي، من أجل تمرير المرحلة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية في 15 أيار المقبل.