IMLebanon

موسكو عاصمة الممانعة ولبنان يدفع الثمن

 

لا يبدأ تزعم روسيا لحلف الممانعة الممتد من فنزويلا، اميركا اللاتينية، كوريا الشمالية، فالقلب النابض إيران وتابعها النظام السوري، من زيارة قاسم سليماني الى موسكو قبل سقوط نظام الاسد بأسابيع، وطلب النجدة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يتأخر في تقديمها انقاذاً للنظام وإيران في سوريا، وتأكيداً على ايجاد موطئ قدم بحري شرقي المتوسط.

 

لقد انقذ بوتين النظام وإيران، لكنه لم يعط اشارة الانطلاق، الا بعدما أجبرت ايران على طلبها، ما يعني أنه، بما يمتلك من قدرات عسكرية وموقع على المستوى الدولي انما كان يقول لأذرعه في العالم “الامر لي”.

 

سبق ان استعملت روسيا حق الفيتو في الملف السوري مرات عدة بالتوأمة مع الصين، لكنها لم تتدخل عسكرياً الا لكي تحقق مجموعة من الاهداف الثمينة، كما لم تبادر الا بعد التنسيق العميق مع اسرائيل، وبعد تأكدها من عدم الاعتراض الأميركي، لا بل يذهب مراقبون الى اعتبار أن معادلة روسيا في سوريا كانت نتاج ضوء أخضر اميركي، يشبه مع الفوارق المعروفة الضوء الأخضر اذي اعطي لحافظ الاسد للدخول الى لبنان.

 

بعدما استثمرت إيران الآلة العسكرية الروسية في سوريا حتى الثمالة، فثبتت وجودها في سوريا، وضمنت بقاء النظام، وتعايشت مع الغطاء الروسي المعطى لإسرائيل، بالعمل بحرية في الاجواء السورية، وترجمة ذلك، موافقة على ضرب البنية الايرانية لمسافة تزيد بكثير عن 70 كيلومتراً من حدود الجولان، التي ضمنها الروس خالية من الوجود الايراني، جاء الزمن بالتوقيت الاوكراني، ليضع العلاقة الروسية ـ الايرانية والملفات المتشابكة التي ترعى مصالح الدولتين، في موقع مختلف.

 

فروسيا بعد اجتياح اوكرانيا، والتعثر الواضح الذي يواجهها، انتقلت من ممارسة دورها الخفي كراعية من الخلف لمجموعة الممانعة، لتجلس من دون التباس وراء المقود، وقيادة المحور مباشرة ستؤدي الى إزالة الالوان الرمادية، والبقاء سيكون للأبيض والأسود، وفق معادلة “من ليس معنا فهو ضدنا” وهي معادلة اول من ستصيب إيران، وتحديداً في تعجلها لتجديد الاتفاق النووي في فيينا.

 

لم يعد سراً أن موسكو لم تعد تريد هذا الاتفاق، على الأقل في موازاة استمرار مأزقها الاوكراني. ففي الحسابات العملية الروسية، كل ما يشكل مصلحة للولايات المتحدة الاميركية، يجب تعطيله او تخريبه، لا بل يجب افهام اميركا ان روسيا تمتلك أوراق الحلول في اكثر من ملف على مستوى العالم، كما تمتلك قرار اطلاق الرصاصة الاولى في أوكرانيا، كما في اكثر من دولة من دول اوروبا الشرقية.

 

في الترجمة العملية للتعطيل الروسي لمسار فيينا، أن سوق النفط بعد فرض العقوبات الاميركية على قطاع الطاقة الروسي، لن يتلقى مليوني برميل نفط ايراني يومياً، وأن الطلب الكثيف بعد الحرب الأوكرانية، سيبقى في مستوياته العليا، وأن سعر برميل النفط لن يهدأ. بالتالي ستستمر روسيا بالاستفادة من تصديرها للنفط الى اوروبا وآسيا، بسعر يؤمن دخول العملة الصعبة الى الاقتصاد الروسي، لا بل بسعر مرتفع يعوض جزءاً من الضرر الذي لحق بهذا الاقتصاد بعد العقوبات وتجميد الارصدة والأصول.

 

من غرائب تقاطعات السياسة الدولية أن الموقف الروسي الرافض الآن لاتفاق فيينا، يحظى بدعم عربي واسرائيلي ضمني، فيما تجد إيران نفسها المتضرر الأول، وهي المتلهفة لتصدير نفطها بالاسعار المرتفعة، بعدما وصل الاقتصاد الايراني الى مرحلة تقارب الانهيار، بفعل العقوبات الاميركية والاممية.

 

أما عن لبنان وملفه الذي تمسك به طهران، فيمكن القول ان تداعيات الأزمة الاوكرانية، تلاحقه هو الآخر، وتحديداً في ملف الترسيم البحري. فبعد ضوء أخضر ايراني ترجم من “حزب الله” بالسماح بانطلاق مفاوضات الترسيم، وفق مبادرة هوكشتاين، فوجئ الرئيس ميشال عون بأن “حزب الله” انتقل من موقفه المعلن بالوقوف وراء موقف الدولة، الى الوقوف امامها، معطلاً المفاوضات، وهي اشارة لا تنبئ الا بفرملة استجدت على وقع التباطؤ في فيينا.

 

لا صوت في الكرملين يعلو على صوت المعركة في كييف، وما على أذرع موسكو الا ان تحسم أمرها، على وقع أزيز المدافع وفق معادلة: من ليس معنا فهو ضدنا.