IMLebanon

الربيع العربي في أوكرانيا

 

تؤكد مجريات الحرب الدائرة في أوكرانيا بوجهيّها الميداني و الدبلوماسي مجموعة ثوابت بُنيّت عليها مقدّمات مؤسّسة لصراع يبدو مفتوحاً، بالرغم من جولات الحرب النفسية المتنقلة التي تعبّر عن أقصى ما لدى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي من وسائل وأدوات لإدارة الصراع. يوحي الإمتثال لدعوات المفاوضات بجولاتها البلاروسية أو التركية منذ الأسبوع الأول لانفجار الموقف، كما تُظهر البيانات الرئاسية التي اعتبرت مسألة الإنضمام لحلف الناتو خارج الواقعية السياسية أنّ زيلنسكي يبحث جدياً عن مخرج من المأزق، بعد الرفض الأوروبي والأميركي لأي تدخّل من قِبل دول الناتو واقتصار دورهما على تقديم الدعم لاستمرارية المعارك. وفي هذا الإطار أتت بالأمس دعوة وزير الخارجية الأوكراني الصين للعب دورٍ أساسي في التسوية بين أوكرانيا وروسيا.

 

المطالب الروسية معروفة وهي أُعلنت قبل اندلاع الحرب والقدرات الأوكرانية معروفة وحدود التّدخل الخارجي معروفة كذلك من قِبل دول الناتو ومن قِبل الرئيس الأوكراني نفسه، من هنا يبدو التساؤل مشروعاً عن عدم مبادرة الدول الأوروبية وفي مقدّمتها ألمانيا وفرنسا، قبل تلك التي استجابت لدعوات الذعر الأميركي، الى احتضان موقف الرئيس الأوكراني الذي يمكن أن يشكّل مدخلاً لتسويةٍ سياسية تنهي الحرب في الحديقة الأمامية لاوروبا.

 

لقد أعلنت الولايات المتّحدة عن أكثر من مجموعة للعقوبات على روسيا واختبرت محدودية قدرات الحلفاء والأصدقاء على الإستجابة لهذه الإجراءات. كانت الثغرة الأساس هي الحاجة الملّحة للإمدادات الروسية بالطاقة. لم يستجب حلفاء الولايات المتّحدة الأوروبيون منهم والآسيويون ولاسيّما تركيا ودول الخليج والهند والباكستان والصين. ردّة الفعل الأميركية كانت بالمزيد من التشنج والإندفاع نحو مزيد من العسكرة . فهل تريد الولايات المتّحدة حقاً إنهاء هذه الحرب وإخراج كتلة النار المستعرّة من أوكرانيا والتي تهدد بالتمدّد إلى أرجاء القارة الأوروبية؟ وما هي مسوّغات الموقف الأميركي الذي يُمعن أكثر فأكثر في التسويق لصراع مفتوح تُرهق نتائجه الإقتصاد العالمي ويعيد ترتيب قائمة الحلفاء على أُسّس جديدة؟

 

هل يمكن تفسير الهجمات الحوثية على المرافق الحيوية في المملكة العربية السعودية، والتي طالت محطات تحليّة المياه في إقليم جازان ومراكز إنتاج الغاز الطبيعي في مدينة يُنبع المطلّة على البحر الأحمر ومصفاة «ياسرف» – وهي مشروع مشترك بين شركة آرامكو السعودية والشركة الصينية للبتروكيماويات «سينوبك»- بالإضافة الى مرافق عديدة في جدّة وفي ظهران، إلا في إطار الردّ الأميركي على مواقف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتّحدة المتعلّقة بعدم التجاوب للمطلب الأميركي بزيادة إنتاج الطاقة؟. وهل يكون إعطاء الضوء الأخضر لطهران لتوظيف ميلشياتها في خدمة الأهداف الأميركية مقدّمة لهجمات أكثر عمقاً في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات لإلحاق الأذى الحقيقي بالبنيّة التحتيّة النفطية لدول الخليج وتمهيداً لإدخال إيران مجدداً الى سوق النفط والغاز كبديل عن النفط الروسي؟.

 

كيف يمكن النظر للدعوة الأميركية لأنقرة لنقل منظومة الدفاع الجوي الصاروخي S400 التي حصلت عليها من روسيا الى أوكرانيا تحت عنوان تقديم الدعم لمواجهة الغزو الروسي مقابل إعادة تركيا الى برنامج إنتاج وتطوير المقاتلات الأميركية F35 سوى من قبيل إدخال المزيد من الدول الى حلبة الصراع الأوكراني وتوسيع دائرة الإقتتال؟ وكيف يمكن تصريح مندوبة الولايات المتّحدة في الأمم المتّحدة ليندا طوماس غرينفيلد بأنه لن يتمّ نشر قوات أميركية في أوكرانيا ولكن دولاً أخرى أعضاء في حلف شمال الأطلسي قد تقرر نشر قوات لها.

 

إنّ مقارنة واقعيّة بين الإندفاعة الأميركية لتوسيع دائرة الصراع ومحاولات الإحتواء التي تتّسم بها مواقف الصين التي دعى رئيسها سي جينبينغ الى الحوار مع موسكو، ومواقف كلّ من تركيا والدول الخليجية التي تتّخذ موقعاً متوازناً من الصراع تطرح أكثر من تصوّر حول الأسباب الحقيقية للإندفاعة الأميركية وأهمها الصعود الإقتصادي للصين كقطب أساسي جاهز للتربّع على عرش الإقتصاد الدولي والإنهيار المرتقب للدولار كعملة وحيدة للتداول في أسواق الأسهم والإعتمادات المالية الدولية. إنّ الخيار المتاح أمام الولايات المتّحدة لمواجهة كلّ ذلك لا يمكن أن يكون خارج خيار توسيع دائرة الحرب مما سيدفع الى مزيد من الإنفاق على ميزانيات الدفاع، وبمعنى آخر إنقاذ الإقتصاد الأميركي وإنقاذ الدولار بإلغاء نظام العولمة القائم على إقتصاد السوق والمصارف لصالح إقتصاد عالمي يقوم على الصناعات الدفاعية.

لقد سوّقت الولايات المتّحدة وحلفاؤها لفكرة قتال التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط حتى أصبحت هذه المنطقة مرتبطة بالفكر المتطرّف، وهو ما نتج عنه في الغرب فكرة «الإسلاموفوبيا». فهل هناك داعش آخر يقطن في أوكرانيا وهو جزء من جيشها إسمه «فوج آزوف» الذي إرتكب عدداً من المجازر منذ تأسيسه في العام 2014 وحتى الآن، والذي حالت الولايات المتّحدة دون اعتباره منظمة إرهابية؟ وهل يُستنسخ إستخدام المجموعات المتطرفة عرقيّاً وقوميّاً في أوروبا ويتحوّل ربيع أوكرانيا الذي تسوّق له الولايات المتّحدة نسخة متقدّمة عن الربيع العربي ومقدّمة لربيع أوروبي؟

 

العميد الركن خالد حمادة