Site icon IMLebanon

أوكرانيا ولبنان والحياد

 

 

منذ انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخشى من أن تصبح أوكرانيا موضوع الصراع مع واشنطن. أي أنه متهيّب الموقف في العلاقة مع أميركا منذ تشرين الثاني 2020 ، بالنسبة إلى طموحات الإدارة الأميركية الجديدة.

 

فالرئيس الأميركي عينه على أوكرانيا منذ أن تصدّر تأييد الثورة على الحكم الأوكراني عام 2014 ، حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما إلى درجة أنه مكث في كييف 10 أيام ليبقى مع المتظاهرين الأوكرانيين الذين ينتمون بمعظمهم إلى الغرب الأوكراني. الثورة أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش بسبب تردّده في التقارب مع الاتحاد الأوروبي والدول الغربية. في حينها اضطرّ يانوكوفيتش للهرب إلى روسيا التي طلب مساعدتها، فاتّخذ البرلمان قراراً بعزله، بعدما انقلب جزء من الأكثرية عليه.

 

منذ اندلع الصراع وأوكرانيا تعيش حال عدم استقرار سياسي واقتصادي اشتدّ بعد مجيء الحكم الذي ينشد التقارب مع الغرب، في ظل ضمّ روسيا القرم، وحصول الانفصال في إقليمي دونتسك ولوغانسك شرق البلاد، اللذين تنتمي أكثرية سكانهما إلى التابعية الروسية، فيما أكثرية سكان غرب البلاد من الأوكرانيين الذين تشكلوا من مهاجرين من مناطق أوروبا مجاورة. هؤلاء من المسيحيين الأورثوذكس وأولئك يضمّون الكثير من الكاثوليك…

 

تختلط اختلافات الانتماءات السياسية والعرقية والدينية والجغرافية بالتوجهات «الإقليمية» والانحياز إلى «المحاور» الدولية في تاريخ الصراع في أوكرانيا لا سيما مع بداية الألفية الثالثة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. من هم من أصل روسي يريدون الاتجاه شرقاً، والآخرون الأوكرانيو الأصول يفضلون الاتجاه غرباً. مناطق الغرب تعاونت مع ألمانيا النازية، ومناطق الشرق تحالفت مع جوزيف ستالين في الحرب العالمية الثانية.

 

قد يكون إسقاط أوجه الشبه في رسم تعددية وتنوع المثل الأوكراني على ما يعيشه المثل اللبناني من مأساة وتأزم غير مسبوق، مفتعلاً بالنسبة إلى البعض، لكن الكثير من العبارات التي تستخدم في وصف ما يحصل في أوكرانيا، نسمع منها في لبنان هذه الأيام، وسمعنا مثلها خلال الحرب الأهلية التي اختبرت تدخلات عسكرية خارجية ما زال البلد يعاني منها حتى الآن، ولا سيما بالنسبة إلى الوجه السياسي من أزمته المتعددة الوجوه.

 

أحد أوجه الشبه هو أن أميركا وبعض دول أوروبا حمّلت أوكرانيا فوق ما تحتمل تركيبتها الهشة، بتحويلها إلى مساحة جغرافية تقلق القيادة الروسية على أمنها الاستراتيجي، مهما كان الموقف من طموحات فلاديمير بوتين الأمبراطورية. فجموح الغرب نحو ضمّ أوكرانيا إلى حلف الناتو، وتحويلها إلى قاعدة تهدّد المجال الحيوي التاريخي لروسيا، لا بدّ من أن يستفزّ القيصر. وفي النهاية تُرِكت كييف لمصيرها أمام الآلة العسكرية الروسية، ودخلت نفق مأزق عسكري، فضلاً عن أزمتها الاقتصادية، ولم يعد معروفاً كيف ستكون نهاية الحرب التي خاضها بوتين باحتلاله أجزاء منها، في ظل تصعيد غربي ضده بالعقوبات القاسية التي ستقحم العالم في حالة استقطاب جديدة تشمل الصراع على الطاقة والغاز وتقحم الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من التضخم.

 

لعلّ أبلغ درس من حرب أوكرانيا بالنسبة إلى لبنان هو ما كتبه هنري كيسنجر في مقاله في واشنطن بوست الذي استعرض فيه تاريخ أوكرانيا بالعلاقة مع روسيا ومع الغرب، قبل يومين: «إذا كان لأوكرانيا أن تحيا وتستمرّ يجب عليها ألا تكون منحازة لأي من الجهتين بل عليها أن توظف دورها كجسر بينهما… ويفترض العمل على المصالحة بين الفريقين في أوكرانيا بدل هيمنة فئة على أخرى».

 

انتهى كيسنجر إلى الدعوة لأن تكون أوكرانيا مثل فنلندا بالنسبة إلى روسيا والغرب. أي أن تكون على الحياد في الصراع بين الشرق والغرب. إنها كلمة نسمع بها كثيراً في لبنان، لكن الصراخ ضدها أعلى من صوت من يطلقونها. وقد يأتي وقت يقتلنا الندم…