IMLebanon

معنيون بأوكرانيا… ولا نأي عن الضحية

 

بلى، نحن معنيون. صحيح أن الغزو الروسي لأوكرانيا في شرق أوروبا، لكن انعكاساته تطاول مناطق النفوذ أو التأثير الروسي. و”الروسي البشع”، بسلوكه الهمجي وقواعده العسكرية وحضوره السياسي وتحالفه الذي سيتعمق حتماً مع طهران، حاضرٌ في طرطوس وحميميم واللاذقية وفي السويداء على مرمى حجر من حدودنا، وأقرب من حبل الوريد، بفعل تعاطف مواطنينا وأحزابنا المنتعشين بازدهار الشمولية أو استعادة روح الاتحاد السوفياتي البائد.

 

نعم، إنه “اجتياح”. ووصف بيان وزارة الخارجية دقيق ومنسجم مع الشرعية الدولية. لا يهمُّنا هل نفَّذ الوزير عبدالله بوحبيب رغبة جبران باسيل في استرضاء الأميركيين مسجلاً في الوقت نفسه استنكاره دعم موسكو ورَجُلها بشار الأسد آخرين للرئاسة. ولا نبالي إن تواطأ بوحبيب مع ميقاتي والقصر الجمهوري لتسليف الغرب موقفاً بالجملة يتمّ التراجع عنه بالتفصيل، ولا إن أصيب فجأةً بصحوة ضمير فكفّر عن ذنب الإنضواء في “خلية السبت” المساهمة بكارثة وصول “جنرال الرابية” إلى بعبدا، وعن المشاركة بعدها في حكومة “معاََ لإنقاذ” عصابة المنظومة وصرف آخر قرش من أموال المودعين.

 

يريد سعادة السفير الروسي الكسندر روداكوف المستهجن بيان “قصر بسترس” معرفة “من معنا ومن ضدّنا في هذا الظرف الصعب”. الجواب بديهي. كلّ تضامنٍ مع الإجرام البوتيني مدعاة احتقار، وكل اعتبار للخلطة المخزية المتخلفة بين الديني والاستبدادي التي يعبر عنها بطريرك روسيا حافز للشفقة.

 

أما المثير للسخرية فتلك الحجة الممانعة المطالبة بتطبيق “النأي بالنفس” بشأن احتلال دولة عضو في الأمم المتحدة اقترع شعبها لتداول السلطة والخروج من عباءة “ستالين الجديد”. وتلك الحجة الباطلة ليست إلا استمراراً منطقياً لاستنفار الممانعين ضدّ “الثورات الملونة” ورفع الصوت بالتحذير :”لبنان ليس أوكرانيا”، وهو ما تمّت ترجمته بالتدخل ضد ثورة الشعب السوري وبقمع ثورة 17 تشرين بالعصي وإحراق الخيم لاختلاف الظروف والإمكانات والوقائع.

 

ليس أدهى من آلة الكذب “الممانعة” التي يتشارك فيها كل مُوالٍ لاستبداد تيوقراطي أو ديكتاتوري إلا الحرب الفعلية التي تفتك بمواطني خاركوف وكييف وسائر مدن أوكرانيا المقاومة للاحتلال باللحم الحي. لكن ما يوازي تلك الآلة إزعاجاً هي عبثية بعض المثقفين وأصحاب الرأي ودعاة السلام بين الشعوب. فبعضهم يحاول المساواة بين “الأطماع الأطلسية” و”ردات الفعل الروسية”، كما لو كنا نناقش الكوتا النسائية أو انبعاثات الكربون، فيما لا يؤدي هذا الطرح اليوم إلا إلى تبرير العدوان أو تجهيل الفاعل أو التشويش على الحقيقة.

 

تزوير الحقيقة في أوكرانيا هو نفسه في لبنان. الأوكرانيون ضحاياه حين يتهمهم الغازي بـ”النازية” متلبّساً اتهامات هتلر لجيرانه بالتآمر قبل مباشرته بمسح بولندا عن الخارطة. نحن كنا ضحايا التزوير الفاجر منذ العام 1976 حين لبّى الجيش السوري “نداء” بلدة القبيات التي حاصرها أنصاره. ولا نزال ضحاياه حتى اليوم كوننا ممنوعين من معرفة من تسبّب في تفجير مرفأ بيروت ومن أتى بالنيترات ومن هم المتواطئون. أليس لافتاً أن مُطالبي أهالي ضحايا 4 آب بعدم تسييس التحقيق هم الحائلون دون ممارسة المحقق العدلي مهماته والمنددون ببيان “قصر بسترس” والمتلهفون للحياد إزاء هدم أوكرانيا على رؤوس أهلها؟

 

تحية إلى الوزير بوحبيب. تستحق أن توضع صورتك في ردهة الوزارة إلى جانب فؤاد بطرس وشارل مالك وأحرار مرّوا من هناك. أما إذا تراجعت فلتُحشر صورتك بين صورتي شربل وهبه وباسيل. تبريرنا الاجتياح يُشرْعِن اجتياحنا من جديد. والنأي عن جثة القتيل الأوكراني اعترافٌ بحق القاتل في تعميم الجريمة.