Site icon IMLebanon

حربُ أوكرانيا قد تُحرِق الشرق الأوسط

 

 

عندما يتمُّ الحديث عن الخسائر المتوقَّعة في حرب أوكرانيا، إذا اندلعت، قليلاً ما يُذكَر الشرق الأوسط. لكن هذه المنطقة قد تكون بين الأكثر تضرُّراً من الحرب، بل إنّ بعض الخبراء يتخوَّف من انخراط الشرق الأوسط في المواجهات الميدانية، إذا لم يتمّ تدارك الموقف. كيف؟

في تقدير الخبراء أنّ خسائر الحرب في أوكرانيا ستتوزع في شكل متفاوت على العديد من القوى المعنية: هناك مَن ستحلّ عليه الكارثة. وهناك مَن سيتضرَّر بأشكال معينة. لكن هناك مَن سيقطف الثمار.

 

الأوكرانيون سيتذوَّقون المرارة الأولى طبعاً، والأوروبيون سيهتزّ استقرارهم اقتصادياً وعسكرياً. والروس لن يخرجوا من الحرب بلا أثمانٍ ثقيلة. ولكن، في المقابل، ربما يستثمر الصينيون انشغال الخصم الأميركي ليضربوا في مكان آخر.

 

وأما الأميركيون، وعلى رغم كونهم الفريق الأساسي في المواجهة، فإنّهم قد لا يخسرون على المستوى الاستراتيجي، لأنّ المعركة تدور بعيداً عنهم تماماً، وبأدوات خارجة عنهم. وعلى العكس، الحرب ستؤدي إلى إضعاف الروس، وستُظهِر للأوروبيين الطامحين إلى «الاستقلال الذاتي»، داخل الحلف الأطلسي، أنّهم في حاجة دائماً إلى الحماية الأميركية.

 

لا يمكن فصل النزاع الدائر اليوم في أوكرانيا عن ملف الطاقة عالمياً، وتحديداً الغاز الطبيعي الذي يشكّل البديل الأفضل للنفط في المستقبل، اقتصادياً وبيئياً. فأوكرانيا هي بوابة الغاز من روسيا إلى أوروبا، وإقفالُها سيقود إلى كارثة اقتصادية واجتماعية في القارة التي تستعين بالغاز الروسي لتغطي 40% من حاجتها.

 

ولذلك، ومع اشتداد التوتر في أوكرانيا، كانت القوى الدولية والإقليمية منشغلة بإبرام اتفاقات لتأمين الغاز: الروس والصينيون، الأتراك والإسرائيليون وسواهم.

 

حاول الرئيس فلاديمير بوتين استيعاب الغضب الأوروبي والفصل بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، عندما أطلق الوعد بإيصال الكميات التي تحتاج إليها أوروبا عبر خطّ «نورد ستريم 2»، الذي يربط روسيا بألمانيا. لكن واشنطن أقفلت عليه الطريق، إذ شجعت الألمان، والأوروبيين عموماً، على رفض العرض. وبذلك، جرى تفويت الفرصة على الرئيس الروسي.

 

لكن الأهمّ هو أنّ الأميركيين طلبوا من حليفهم العربي قطَر، أن يغطي النقص الناتج من الحرب، إذا اندلعت، وحصلوا منه على الموافقة. وفي زيارته الأخيرة لواشنطن، قدّم الأمير تميم بن حمد وعداً للرئيس جو بايدن بتغطية النقص في أوروبا. وبهذا الموقف، اعتبر الروس أنّ العرب على وشك الاصطفاف في المواجهة إلى جانب الأميركيين.

 

المناخ الروسي يوحي بأنّ موسكو ستردّ على أي طرفٍ وضع نفسه في الاصطفاف الأميركي، أي الخصم، في حال اندلاع الحرب. ويقول خبراء روس، إنّ المعركة في أوكرانيا حسّاسة ومعقّدة جداً، وفيها سيستخدم الجميع كل ما يمتلكون من أسلحة. ومن الصعب أن يتقبّل الروس وقوف العرب في المتراس المقابل، ووضع مواردهم في المعركة لترجيح كفّة الخصوم.

 

ويذهب الخبراء إلى الاعتقاد، أنّ موسكو قد تضطر إلى الردِّ على الولايات المتحدة في المنطقة العربية أيضاً، ما دام متعذراً استهدافها في أراضيها، بسبب بُعدها الجغرافي عن مسرح المواجهة. وإذا حدث ذلك، فستكون الخسائر العربية فادحة، وستؤثر مباشرة على موارد النفط والغاز التي تُعتبر ركيزة الازدهار والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الخليج العربي.

 

في الموازاة، لا شيء يضمن عدم حصول مفاجآت على التماسّ بين روسيا والولايات المتحدة في المتوسط، أي في «المياه الدافئة» التي شكّلت هدفاً لموسكو من زمن الامبراطورية السوفياتية. وفي السنوات الأخيرة، ضاعفت موسكو من حضور ترسانتها البحرية في المتوسط، كما لم يسبق لها أن فعلت حتى في زمن الحرب الباردة. ويشكّل التموضع الروسي في سوريا إحدى ركائز النفوذ إقليمياً.

 

وهذا الأمر يدفع بواشنطن إلى وضعية استنفار دائم، وإلى استنفار القوى الإقليمية الحليفة على ضفة المتوسط، ولاسيما إسرائيل ومصر والأردن، وهي تسعى إلى تأطيرها في استراتيجية الطاقة، وتستعجل مدّ أنبوب الغاز المتوسطي الذي يربط هذه المنظومة بأوروبا، بحيث تتضاءل أهمية الغاز الروسي بالنسبة إليها.

 

في هذا المنظار يبدو موقع لبنان الممزّق بين الضغوط الأميركية والإسرائيلية والإيرانية والروسية، ويُفهَم إصرار واشنطن على إنجاز تسوية في الناقورة، بأي ثمن وتحت أي ظرف، وعلى ربط لبنان بمنظومة الطاقة الإقليمية التي ترعاها واشنطن. وفي هذا المعنى، يبدو لبنان- وليس سوريا- أفضل «بارومتر» للتوتر الاميركي- الروسي على شاطئ المتوسط.

 

ففي سوريا، جرى تقريباً تقاسم مناطق النفوذ والثروات والموارد بين القوى الكبرى. وثمة اعتراف دولي- إقليمي بالدور الروسي في حماية النظام. وأما في لبنان، فالمعركة دائرة ولم تُحسَم. والخشية أن تصل شظايا أي انفجار في أوكرانيا إلى المنطقة العربية وشرق المتوسط، بما في ذلك لبنان. ويُخشى في هذه الحال أن يصبح الوضع الناشئ في الشرق الأوسط موازياً للمسألة الأوكرانية ذاتها، لجهة التعقيد وحدّة المخاطر.