Site icon IMLebanon

السفير الأوكراني لـ«الجمهورية»: لسنا قلقين من ترامب.. وروسيا أشعلت أفدييفكا بعد حلب

عندما ذهب السفير الأوكراني إيغور أوستاش لشراء «غيتار» في كندا، نصحه اللبنانيون هناك بأن يقتني غيتاراً من خشب الأرز. لم يتوقع أوستاش يومها أن يكون بلدُ الأرز، وجهتَه الدبلوماسية الثانية بعد انتهاء مهامه كسفير في كندا. غير أنّ السعادة التي تغمر الدبلوماسي والأكاديمي المتذوّق للفن واللغات، يقابله أسى على بلاده التي تعيش منذ نيسان 2104 «تراجيديا»، يأمل أن تنتهي بعودة شبه جزيرة القرم مُجدداً إلى حضن أوكرانيا، وبتبنّي الإدارة الأميركية الجديدة موقفاً يضع حداً للأزمتين الأوكرانية والسورية، حيث «تمارس روسيا حربها بغير جنودها»، على حدّ تعبيره.

كندا كانت كبيرة وباردة جداً بالمقارنة مع لبنان الوطن الصغير والدافئ، لكنّ لبنان لا يمكن النظرُ اليه من زواية مساحته وحدوده من الشمال الي الجنوب والشرق والغرب، فما يميّزه امتدادتُه في عمق التاريخ والثقافة منذ أيام الفينيقيين على حدّ تعبير السفير الأوكراني، الذي يرى أوجه شبه عدة بين اللبنانيين والأوكرانيين.

ويقول أوستاش الذي سبق وكان نائباً في البرلمان الأوكراني ورئيساً للجنة العلاقات للشؤون الخارجية في مقابلة خاصة مع جريدة «الجمهورية» في مقرّ السفارة الأوكرانية في اليرزة: «التقيتُ العديد من اللبنانيين في مونتريال، ونصحني أصدقائي اللبنانيون في كيبك بأن أشتري غيتاراً من خشب الأرز، لم أعلم أنّ وجهتي الثانية ستكون بلد الأرز. أوّل رحلة قمتُ بها إلى القرنة السوداء حيث رفعت علم بلادي عقب وصولي في تشرين الثاني الماضي».

ويتابع السفير الأوكراني ممازِحاً: «ما كدتُ أصل لبنان حتى حُلّت أزمة الفراغ الرئاسي»، وبعد أن كان يُعتبر العمل في لبنان كندا تحدّياً، ها هو اليوم يشعر بأنّ لبنان بلده، بفعل أوجه الشبه العديدة بين الأوكرانيين واللبنانيين، فـ«عقلهم مفتوح، ومضيافون، وحتى فيما يخصّ المازة اللبنانية، في أوكرانيا هناك ايضاً اكثر من 20 طبق مازة، والجميع في أوكرانيا يريدون أن يكونوا قادة، مثلهم مثل اللبنانيين».

ويضحك السفير الأوكراني الذي يتحدث بعشر لغات تقريباً بينها العربية، من قلبه، حين يقابل لبنانيين، فيبادر الى سؤالهم، كيف حالكم فيردّوا… «سافا».

ويعتبر أنّ اللغة العربية لغة ممتعة، واللغات بشكل عام مفتاح للثقافة، ففي نظره «الرجل بقدر ما يعرف من لغات».

وفي نظر أوستاش «اللبنانيون مثل الأوكرانيين يبحثون عن الحرّية في المقام الأول، ثورة الأرز في لبنان 2005 تتشابه إلى حدّ كبير مع الثورة البرتقالية الأوكرانية في 2004، لدينا المشكلات نفسها لجهة وحدة الأراضي، فأوكرانيا لا يُسمح لها بالسيطرة على حدودها مثل لبنان، قضية القرم ومنطقة دونباس في شرق البلاد تراجيدية الى أقصى حدّ».

والجدير بالذكر أنّ لبنان وأوكرانيا يحتفلان في كانون الأول المقبل بالذكرى الـ 25 للعلاقات الدبلوماسية بينهما. ولهذه المناسبة، سيُعقد منتدى أوكراني- لبناني في بيروت صيدا وطرابلس، وستأتي شركات الى لبنان من أوكرانيا، وهناك نحو 60 مشروعاً لاستثمارات ليست فقط في مجال الزراعة، بل ستشمل قطاع العقارات والتكنولوجيا.

ويقول أوستاش: «هذه السنة هي مميّزة، ففي تشرين الثاني المقبل وكانون الاول سندعو العديد من الفرق الأوكرانية الى لبنان للمشارَكة في هذه الاحتفالات، اللبنانيون لديهم مهارات السفر والتجارة من أيام الفنيقيين.

لبنان وأوكرانيا شريكان طبيعيان وهناك مستوى عال من المصداقية بينهما، التجارة بين البلدين ارتفعت خلال 2016 بنحو 15 في المئة، فلبنان يستورد على سبيل المثال زيوتاً وحبوباً ومنتوجات كيماوية، وهناك نحو 8000 لبناني درسوا في أوكرانيا».

ويشير الى «وجود 5000 مواطن أوكراني بشكل رسمي ولكلّ عائلة اطفال، ما يعني أنّ عددهم مضاعَف».

ويتابع بحماسة: «أشعر بطاقة هؤلاء الشباب الذين درسوا في أوكرانيا والذين التقيهم دائماً، والراقصون الأوائل حتى في فرقة كركلا، 17 منهم أوكران، وهذا ما علمتُ به خلال مشاركتي في مسرحية «طريق الحرير»، وحين دعيتُ الى اسبوع الموضة في بيروت تفاجأت، فذهبت ووجدت أنّ 90 في المئة من العارضات هنّ أوكرانيات».

شغف أوستاش بالموسيقى والفن يبدو جلياً ولا سيما إعجابه بمسرح كركلا، وهو يفكر في دعوة المغنية الأوكرانية جمالا التي فازت بمسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» عن أغنية «1944»، التي تصف فيها ترحيل جوزيف ستالين لتَتَر شبه جزيرة القرم في الحرب العالمية الثانية، الى أوزبكتسان وكازاخستان.

ويتحسّر على ما تشهده أوكرانيا اليوم، فتاريخ 1944 يعيد نفسه.

عبء النزوح مشترَك

وحتى في أزمة النزوح، تعي أوكرانيا ما يمرّ به لبنان لكنّها لا تستطيع أن تساعد بشكل كبير، فهي تنخرط في بعض المشاريع، ويعتزم أوستاش التوجّه الاثنين الى زيارة مدرسة للاجئين السوريين في البقاع.

وفي ظلّ وجود نحو 1,8 مليون نازح محلياً في أوكرانيا، لا يمكن فعل الكثير للبنان بحسب أوستاش، الذي يذكّر بأنّ أوكرانيا منذ اندلاع النزاع في نيسان عام 2014 خسرت 10 آلاف قتيل و25 ألف جريح.

ويقول أوستاش: «لم نتوقع أن نتعرّض لهذا الاعتداء في القرن الواحد والعشرين، لكننا صمدنا مثل اللبنانيين، فالعدوان الروسي تسبّب بتشريد نحو 2 مليون شخص داخل أوكرانيا، وعلى الأراضي المحتلة في دونباس هناك 40000 هم أعضاء الجماعات المسلّحة غير المشروعة، بما في ذلك 5000 جنديٍّ من الجيش الروسي النظامي، وقد ركّزوا عدداً كبيراً من الأسلحة والمعدات بينها 600 دبابة و1300 مركبة قتالية 760 مركبة مدفعية».

الأسبوع الماضي على وجه التحديد، ومنذ 29 كانون الثاني الماضي قتل 18 جندياً أوكرانياً و3 مدنيين، وسقط 109 جرحى بين قوات مسلّحة ومدنيين في أفدييفكا.

جولة استخدمت فيها قوات مسلّحة غير شرعية 7148 مقذوفات، وقُصفت مواقع للقوات المسلّحة الأوكرانية والبنية التحتية المدنية، وإطلاق الصواريخ من مناطق فيها مدارس ومستشفيات في دونيتسك في اتجاه أفدييفكا، على حدّ تعبير أوستاش، الذي ينطلق من تغريدة لصحافي ألماني وضع صورتين على «تويتر»، للمقارنة بين حلب وأفدييفكا.

ويقول السفير الأوكراني: «هذان الوضعان مترابطان، عندما كانت روسيا في حلب، لم يكن وقت أوكرانيا اليوم بعد تدمير حلب، بدأوا في أفدييفكا، إظهار القوة لدفع مناقشة قضايا مع الولايات المتحدة من موقع قوة لا دبلوماسية».

ويذكّر بأنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 آذار 2014 وافقت على القرار 68/262، الذي يدعو الى وحدة الأراضي الأوكرانية، وفي 19 كانون الاول 2016 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار حول «وضع حقوق الإنسان في جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول»، باعتبار روسيا دولة محتلّة وشبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول الأراضي محتلّة موقتاً، ودعت إلى إلغاء قرار إتهام مجلس شعب تتار القرم بالتطرّف.

لا ثقة بروسيا

ويرفض السفير الأوكراني بحدّة اتهامات الخارجية الروسية لبلاده بأنّها تقف وراء جولة العنف الأخيرة في مدينة افدييفكا بين قوات كييف والانفصاليين الموالين لروسيا، بهدف وضع القضية الأوكرانية على الأجندة الدولية.

ويقول: «خلال ترؤسنا لمجلس الأمن في شهر شباط الجاري، كانت فكرتنا مناقشة المسألة الأوكرانية، روسيا تتّهمنا ولكنّ الأدلّة واضحة، لا أحد يمكن أن يثق بروسيا»، مُستعيداً كلمات لمندوب بريطانيا في الأمم المتحدة، بأنّ كلمات روسيا ليست مماثلة لأفعالها.

ويضيف: «أنّ أحد القادة الإنفصاليين في القرم، ايغور كريغن، الذي يعيش اليوم في موسكو، ذكر على وسائل التواصل الاجتماعي بعظمة لسانه أن لا جنود روسيين في سوريا، بل شركات خاصة لمرتزقة، يقومون بتوقيع عقود، إذا مات احدهم، تُحرَق جثته من دون عودة الى الوطن. الأمر نفسه يحدث في أوكرانيا، فهم يخفون المعلومات عن الجنود الذين يُقتلون».

«الحرب الهجينة»

وفي نظر أوستاش أنّ العالم هو في صدد «حرب عالمية ثالثة من نوع جديد، Hybrid War أي الحرب الهجينة (القتال بأرواح آخرين والاستعانة بالمرتزقة)، وهذا واضح في سوريا وأوكرانيا».

واللافت أنّ أوستاش لا يتخوّف من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، والذي قد يرجّح كفّة روسيا على حساب بلده.

ويقول: «الأوروبيون قالوا إنّهم لن يرفعوا العقوبات عن روسيا، ترامب بدأ ولايته للتو، لا يمكن الآن معرفة موقفه من الأزمة الأوكرانية، القرار لم يتمّ اتّخاذه بعد». لكنّ المشجّع في نظر السفير الأوكراني هو موقف السفيرة الأميركية الجديدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، التي وقفت الى جانب كييف، بأنّ القرم جزءٌ من أوكرانيا.

ويقول السفير الأوكراني: «ترامب على الطريق لاتخاذ قرار في ما خصّ أوكرانيا، لستُ قلقاً كثيراً، الجمهوريون كقوّة سياسية يشكّلون دعماً كبيراً لأوكرانيا أكثر من الديموقراطيين، غير أنّ هناك انقساماً في صفوفهم، ولكن، خطوة خطوة ستتغيّر الأمور».

ويرفض أوستاش القبول بما ذهبت اليه روسيا بأنّ الثورة الأوكرانية ثورة أميركية موّلها الأميركيون.

ويقول: «لا يمكن رؤية مليونين في الميدان ودفع المال لهم للذهاب الى الاعتصام، سياسياً دعمتنا أميركا وأوروبا، لكنها كانت قضيّتنا، وهي ثورة نظّمها الأوكرانيون».

وعلى رغم مرور 3 سنوات على ضمّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القرم الى بلاده، لا يزال السفير الأوكراني يأمل بأن تعود شبه الجزيرة الى وضعها السابق، ويتحسّر لوضع تتر القرم وما ألمّ بهم.

ويقول: «بوتين قال قضية القرم أُغلقت، لكن ليس بالنسة الينا، قبل 1954 كانت القرم جزءاً من أوكرانيا، كلّ روابط الحياة من كهرباء ومياه تأتي من أوكرانيا، دفعنا ثمن الإنشاءات وتنميتها، كانت القرم فقيرة وصحراء، ووفق الاتفاقيات الدولية والاتفاقيات الثنائية كانت روسيا الحامية لوحدة الأراضي الأوكرانية، وبتفاهم بودابست عام 1994 قرّرنا التخلّي عن كلّ الترسانة النووية الى روسيا، على أن تتمّ ضمانة أممنا من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا».

ويتأسّف لتحويل روسيا «6 صواريخ نووية الى القرم»، متهماً إياها بتحويل أبرز المنتجعات السياحية إلى قاعدة عسكرية، حيث تنتشر منظومة صواريخ س 300».

«جنيف السوري»

ويقول: «عندما ننظر الى حلب، التي قاومت الرومان والبيزنطيين، نجد فيها رمزاً، هي تعرّضت لاعتداء حقيقي على يد الروس، الذين كانوا يحاربون المعارضة السورية وليس الإرهاب».

ويرى السفير الأوكراني أنّ مسار جنيف هو الإطار الأمثل لحلّ الأزمة السورية. ويقول: «لا نعرف إذا كان وقف النار الذي تمّ التوصّل اليه في أستانة سيستمرّ، لا يزال الوضع هشاً، بالنسبة اليّ الواضح أن يكون الأمر في جنيف، فنحن ننتظر 20 شباط، فإذا كانت الولايات المتحدة حاضرة، سيكون الوضع أفضل لسوريا».

ويتابع: «إذا نظرنا الى الشرق الأوسط، لا قرار نهائيّاً، لا وصفة نهائية لسوريا والمنطقة، إدارة ترامب ستستغرق وقتها لحسم أمرها».

ويختم أوستاش الذي يتابع عمله بشغف أنّه منذ كان في الخامسة من عمره، سُئِل عمّا يخطط أن يفعل في المستقبل، فكان جوابه… أن أصبح دبلوماسياً، وهكذا كان، فالسنة التي أمضاها في جامعة «هارفرد» في أميركا، كانت كفيلة بتركه الحياة الأكاديمية ووضعه على سكّة العمل السياسي والدبلوماسي.