يُلاحَظ، وفق المعلومات المتقاطعة من أكثر من جهة سياسية، حول التباينات الحاصلة إزاء كل ما يواكب ويرافق أي زيارة يزمع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان القيام بها إلى لبنان، وبعدما سبق وأن أُلغيت زيارته منذ أكثر من شهر، أن أجواءً لا تزال تحيط بالأسباب الكامنة وراء الإلغاء، وهي التي تحول دون تأكيد الخارجية الفرنسية بأن هذه الزيارة ستتمّ في توقيت محدّد، وهنا تشير المعلومات، إلى أن لودريان سيزور لبنان حتماً هذه المرة، ولكن التمهّل في إعلان الزيارة وموعدها يعود إلى الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وحيث تمّ تكليفه من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإجراء اتصالات ومشاورات مع الدول الأوروبية وواشنطن وبعض العواصم العربية، على اعتبار أن ماكرون يُعتبَر من أكثر رؤساء الدول الغربية الذين يتواصلون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل مستمرّ، وكان آخر اتصال بينهما السبت المنصرم.
وتنقل هذه المعلومات عن مواكبين، بأن ماكرون استشفّ أن الحرب ستكون طويلة، وثمة تطوّرات دراماتيكية ستحصل، ولهذه الغاية فإن الأولوية من خلال الديبلوماسية الفرنسية ستُعطى للحرب في أوكرانيا، على أن تكون زيارة لودريان في حال حصولها خاطفة، دون الإعلان عن توقيتها، لأن هناك ظروفاً أمنية وسياسية بالغة الدقّة، وعلى هذا الأساس تتعاطى باريس مع المرحلة الراهنة، ومع ذهاب لودريان إلى العاصمة اللبنانية.
في هذا السياق، تكشف المعلومات بأن الفرنسيين وسواهم تيقّنوا أنه، وفي هذه الظروف، لا يمكنهم القيام بأي خطوات أو إيجاد حلول للملف اللبناني بعد اندلاع الحرب بين موسكو وكييف، والتي تطغى على ما عداها، وهي في سلم أولويات العالم بأسره، وليس فقط باريس، لذلك فإن التوجّه من قبل الدول المعنية بالملف اللبناني، وفي طليعتها فرنسا، سينحصر في شقّين:
– أولاً: تحصين لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً، كي لا ينزلق إلى أي حروب نتيجة إمكانية تمدّد الحرب الأوكرانية الدائرة حالياً وتداعياتها على أكثر من دولة في المتوسط.
– ثانياً: إستمرار الإصرار على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المحدّد، وليس هناك ما يحول دون حصولها، إلا في حال حصلت أحداث أمنية من خلال تفاقم الوضع الناشئ حالياً في أوكرانيا، وصولاً إلى استمرار ضخّ لبنان بالمساعدات الإجتماعية، تجنباً لأي اهتزازات إجتماعية أو فوضى قد تأتي على هذه الخلفية.
أما في الأمور السياسية، فمن الطبيعي، بحسب المعلومات المواكبة لهذه الأجواء أنه، وفي خضمّ الحرب الأصعب بعد الحرب العالمية الثانية الجارية في أوروبا، من المستحيل أن يكون هناك تسوية أو مؤتمر ما للبنان، أكان على المستوى السياسي والوطني، أو على صعيد الدول المانحة، فذلك سيأتي بعد الإنتخابات النيابية في حال كانت الحرب قد انحسرت أو توقفت، ولكن الأمر المحسوم أن تداعياتها ستستغرق وقتاً طويلاً نظراً لحجمها على الصعيد الميداني، وكذلك الإنهيار الإقتصادي العالمي في قطاعات ومرافق عدة، وحيث لبنان سيتأثّر إلى حدٍّ كبير بهذه الإنهيارات، وهو من يعاني أصلاً أزمات خانقة على الصعيدين الإقتصادي والمالي.
وأخيراً، فإن زيارة لودريان، إن حصلت أم لم تحصل، فلن تكون لها أي نتائج على صعيد إيجاد الحلّ أو تسوية العلاقات اللبنانية ـ الخليجية، أو حضّ لبنان على تمرير استحقاقاته الدستورية، وسوى ذلك من الملفات والمطالب الفرنسية المعروفة، وتحديداً الإصلاح السياسي والمالي والإداري، بمعنى أن الحرب الروسية ـ الأوكرانية نقلت لبنان والعالم إلى مكان آخر، وباتت هي الحدث والأساس في هذه الظروف الراهنة.