IMLebanon

الأنف الأوروبي والوحل الرّوسي

 

 

“غوبلز لم يكن وحده يكذب، الحلفاء أيضاً كانوا يكذبون” هذه الخلاصة التي يستطيع مقتفو أثر الأخبار على محطات التلفزة العالمية ومواقعها الألكترونيّة، من جميل ما قد تقرأه في وصف ما تفعله روسيا في في أوروبا خصوصاً المثل الذي ساقه المحلّل السياسي ألكسندر نازاروف عن الطّريقة المعتادة في روسيا لتعليم القطّة عدم التبوّل في أرجاء المنزل أن تأتي بها وتدسّ أنفها فيما أقدمت عليه. وأخشى أنّ ما سيفعله بوتين بأوروبا يشبه هذا الإجراء بالتّحديد”، بالأمس ارتفع سعر الغاز 10 في المئة في أوروبا والحرب الرّوسيّة ـ الأوكرانيّة تعصف غلاء أسعار وفقدان مواد غذائيّة في دول أوروبيّة كثيرة، ولا تحتاج لفهم الإحساس الأوروبي لفهم ما يحدث لأوروبا إلّا في الإصغاء للرّئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون أنّ “فرنسا لن تحارب روسيا”.

 

إذا أردت أن تكون واقعيّاً لا تستطيع أن تحوّل النّظر عمّا يحدث في العالم لتغرق في تفاصيل الدّعاية الإنتخابيّة الباهتة والتسلّط على رقبة شعب لم يعد يكترث بالمصير الذي سينزل به وكأنّه بات متيقّناً من حقيقة مثل شعبي مصري يقول “قالوا للقرد حنسخطك.قال: حتعملوني غزال؟” ويماثله في الأمثال الشعبيّة اللبنانيّة “قدّ القرد ما مسخ الله” وعدونا بالأمس أننا عائدون إلى الوقوف في طوابير محطّات البنزين، تساءلت بالأمس أمام صديق وأنا أستذكر أغنية لبنانية من سبعينات أو ثمانينات القرن الماضي ـ تقول كلماتها:”لبنان بيبقى لبنان/سيف وريشة ومعمّر/نحنا السيّجنا العمران/ونحنا منرجع منعمّر/ ومنردّو أحسن ما كان”ـ لماذا تمسّكنا بالأمل وإعادة بناء لبنان في زمن الحرب فيما نحن اليوم يائسون منه؟ أجاب الصديق نحن يائسون من الدولة لا من لبنان.صحيح إلى حدّ ما نظراً لكوننا نعيش في منطقة الحديث قائم عن تغيير جيوسياسيّتها منذ عقود ولا نعرف ما إذا سيبقى البلد موجوداً وما إذا كان شكله الجغرافي والسياسي سيتغيّر برمّته، لبنان موجود من آلاف السّنين حاضر في العهد القديم وفي الحديث النبوي الشريف وفي معاجم اللغة والبلدان وسيبقى ما سيتغيّر هو الكيان السياسي المهزوز منذ قرون، هنا أيضاً “غوبلز لم يكذب وحده” عندما يقولون لنا ويوهموننا أنّ الانتخابات المقبلة ستغيّر الواقع اللبناني هذه الكذبة الأكبر في الموضوع الانتخابي لأنّ المعادلة ليست عادلة فريق أعزل في مواجهة فريق مدجّج بالصواريخ يرسل جماعته يقتحمون المناطق والشوارع السُنيّة والمسيحيّة مدجّجين بالسّلاح صارخين “شيعة شيعة” كيف يكون تغيير الواقع اللبناني  في انتخابات غير متوازنة..”خلّينا في الحرب الرّوسية ـ الأوكرانيّة أحسن”!

 

الأمور ذاهبة باتّجاه التّصعيد المخيف إذا ما قرّر الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين أن تدفع أوروبا ثمن الغاز بالرّوبل الرّوسي؟ هل تُدرك أوروبا أنّها حمقاء استخدمتها الولايات المتحدّة الأميركية التي قد تدفع هي أيضاً ثم حماقتها إذا ما تقرّر محاصرة الدّولار الأميركي باليوان الصيني والرّوبل الرّوسي، هل يتذكّر جو بايدن أنّ دولار بلاده وحده من بين كلّ عملات العالم ليس لديه تغطية ذهبيّة وأنّه مجرّد ورق يطبعونه ويرمونه في وجه العالم؟ صدّقوا.. ألم تكن الأزمة الاقتصادية العالمية السبب الأهم في اندلاع الحرب بعد اجتياح أدولف هتلر لفرنسا؟ ما أشبه تمريغ الأنف الأوروبي في الوحل الرّوسي بحرب لم تحتفل البشريّة بعد بمرور مئة عام على اندلاعها، فماذا لو تكلّم وتحكّم الرّوبل الرّوسي؟