Site icon IMLebanon

«القيصر» : إجتثاث «الديموقراطيّة الأوكرانيّة «ضرورة» لبنان في عين العاصفة… «مين حضر باع واشترى»

 

 

اذا كانت الحرب الروسية – الأوكرانية «تتربع» على عرش الاحداث الدولية واهتمام دول العالم، متقدمة على ما عداها، نظرا لتداعياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مع اتساع رقعة آثارها وتداعياتها لتشمل الكرة الأرضية، من مشارقها إلى مغاربها، وسط اصطفاف اممي واضح ضد «القيصر الروسي»، ثمة في المقابل تطورات كثيرة أخرى لا تقل أهمية، وتصب في الخانة السياسية نفسها، في ظل التحليلات الكثيرة عن نظام دولي جديد بدأت معالمه تطل من قلب أوروبا، وقبلها الشرق الأوسط، ما يمهد لمقاربات جديدة في حل النزاعات، أخطر ما فيها، «اخدها بطريقها» لمسألة الأمن الغذائي للدول، والتهديد الجدي باستخدام السلاح النووي «بلحظة تخلي»، رغم ان العالمين بهذه المسائل يؤكدون ان قرار اللجوء إلى هذا السلاح لا يرتبط بفرد.

 

«القيصر»، الذي تجاهل كل التحذيرات والتنبيهات الاميركية والاوروبية والاممية مقررا غزو جارته «بدون هوادة»، مهددا بتوسيع قائمة مطالبه الطويلة، «مش آخد عا محمل الجد» الرفع التدريجي لوتيرة العقوبات المالية ضد موسكو، التي دخلت على خطها سويسرا المحايدة تقليديا، وتزايد الضغوط والدعوات من أجل وقف استخدام روسيا نظام «سويفت»، خادعا العالم بمفاوضات كسب الوقت، مصرا على السير بخططه، بعدما «طفح الكيل معه»، وبات لزاما عليه التحرك قبل فوات الأوان.

 

فلا مسألة انضمام أوكرانيا الى حلف الأطلسي «مبلوعة»، ولا العنجهية الأميركية في إدارة النظام العالمي «مقبولة»، ولا تصديق أوروبا نفسها بأنها قوة عظمى «وارد»، والأهم من غير المحتمل السماح بقيام نظام سياسي على حدود روسيا يؤمن بديموقراطية تداول السلطة، في وقت نصّب الرئيس بوتين نفسه إمبراطورا لمدى الحياة، وهي السبب الاساس والمباشر لتلك الحرب التي اجاد الاميركيون والغرب «تغطيسه فيها».

 

ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فان من أبرز تداعيات «الجنون البوتيني»، ستكون اقتصادية، من تهاوي الاوضاع المالية وتدهور العملتين الروسية والاوكرانية، الى اسعار النفط (وروسيا من اكبر منتجيه ومصدّريه في العالم) التي ستحلّق، ما سينعكس ارتفاعا غير مسبوق في اسعار المحروقات، واستطرادا كل السلع التي تحتاج الى محروقات لتصنيعها. الى ذلك، فان الامن الغذائي لعدد لا بأس به من البلدان سيكون في خطر. فروسيا وأوكرانيا من أكبر مصدّري الحبوب في العالم، وتصاعد الأزمة بين الدولتين سيؤثر سلبا في الأسواق العالمية وقد بلغ سعر القمح مستوى غير مسبوق في جلسات التداول في البورصات الأوروبية. كما ان أوكرانيا تنتج 28 مليون طن من القمح، منها 4 ملايين طن قمح علفي، و24 مليون طن قمح للطحن، تستهلك منه 6 ملايين وتصدر 18 مليون طن سنويا. ووفق المصادر «بعض الدول العربية سيتأثر، لا سيما مصر التي تستورد 3 ملايين طن من أوكرانيا، كذلك يستورد لبنان ما يزيد عن 50% من القمح من أوكرانيا، ومن المتضررين ايضا ليبيا واليمن، إضافة إلى إندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش والصين»، فيما العقوبات قد تتناول صادرات القمح الروسي.

 

أما سياسيا، فانشغال العالم بالازمة الاوكرانية، سيفرمل الجهود الديبلوماسية لتسوية عدد كبير من الملفات الساخنة والملتهبة، أبرزها «النووي الايراني» والمفاوضات في شأنه في فيينا، ومعها ازمات المنطقة من اليمن الى العراق فسوريا ولبنان، وصولا الى لبنان، وان كل الاتصالات الدولية واللقاءات التي كانت تُعقد مكثّفةً للخروج بحلول واتفاقات، ستتثاقل وتتباطأ وتيرتُها، هذا اذا لم تتوقف في شكل تام.

 

في الانتظار، وكما سائر دول العالم، بلبلة وضياع الموقف اللبناني، يؤشران وفقا لمصادر متابعة، إلى أن الملف الأوكراني اقتحم حلبة المشهد اللبناني الخلافي بين الأطراف المختلفة بقوة ، وهو مرشح لأحداث مزيد من الشرخ والانقسام بين اللبنانيين، ليكون عنوانا للتصعيد في الفترة المقبلة، وما أزمة المحروقات التي شهدتها البلاد خلال الساعات الماضية والمرشحة للتفاقم، إضافة إلى «مشكلة القمح» المتوقعة خلال أيام، وما قد يرافق هذا المشهد من احتجاجات شعبية واستغلال لها، عشية استحقاق انتخاب نيابي.

 

وفي وقت صنّفت بعض المصادر المعارضة خطوة «الخارجية» في اطار تقديم العهد هدايا مجانية لواشنطن، على غرار «هدية» ترسيم الحدود وفق الخط 23 والتنازل عن «الخط العسكري»، تصر الأوسط المقابلة على أن لبنان لا يمكنه النأي بنفسه عن صراع بهذا الحجم يهدد أمنه الغذائي، حيث على بيروت ان «تعرف وين الله حاطتها»، والا ستدفع ثمنا غاليا لأي دعسة ناقصة، في وقت يصر فيها البعض على توريطها في مواجهة «مش قدها» على امل قلب الطاولة الإقليمية.

 

وفقا لمسار التطورات، من المرجّح خلال الأيام المقبلة أن يستخدم بوتين كلّ قوته ليرى ما إذا كان سيتمكن من تحقيق الهدف الأساسي، بالاجهاز على الديموقراطية الناشئة في أوكرانيا وإقامة نظام «على صورته وأمثاله» ووفقا لقياسه، والتأكيد لأوروبا أنها تخطّت الخطّ الأحمر، إذ عندما كانت ضعيفة أخذت البلقان وكل أوروبا الشرقية، محاولة وضع حدود لنفوذ روسيا.

 

فأي منحى يمكن أن تتخذه الحرب؟ هل تنتهي بتغيير النظام الحاكم في أوكرانيا ما يسمح بالاتيان بآخر يرضي الرئيس الروسي بوتين فيأمر بوقف الحرب؟ أم ينغمس العالم في حرب ثالثة؟ وكيف سيتأثر العالم بهذه الحرب الناشبة خاصة اذا طال أمدها؟ هل يمكن ان يفيد استنفار الحلفاء الاوروبيين والغربيين ودول «الناتو»، اضافة الى عقوباتهم الاقتصادية والتجارية، في وجه روسيا، في لجم «الطحشة» الاخيرة بما يضع حدا للتدهور الزاحف سريعا نحو اوروبا والذي لن يسلم منه العالم؟ ام سيبقى بوتين مصرا على الهجوم ليثبت لواشنطن وللاوروبيين انه لا يزال رقما صعبا من المستحيل تحديه او تخطيه او كسره، على الساحة الدولية؟

 

المخيف هو السؤال حول ما إذا كانت الغزوة هي تنفيذ لكلام بوتين حين تسلّم الحكم، حيث ترحّم كثيراً على الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي، معتبراً ان الجريمة الكبرى في القرن العشرين تمثّلت بانحلاله. فهل يريد إعادة روسيا القيصرية؟ وإذا كانت هذه الخطوة الأولى فهذا يعني أنه سيصل إلى دول البلقان ومن بعدها الله يعلم إلى أين.

 

الإجابات لن تتضح معالمها قبل نهاية الشهر، لمعرفة إلى أين يمكن أن تصل الامور وما يمكن أن تضمره المواجهات.