IMLebanon

أية خطة عسكرية تتَّبعها روسيا في أوكرانيا؟

 

لم يكن عبور القوات الروسية الى الداخل الأوكراني خاطفاً وسريعاً على الطريقة الالمانية في الحرب العالية الثانية، أو على الطريقة الاسرائيلية في حرب عام 1967 بل كان تقدماً ثقيلاً لأرتال كبيرة وبإيقاع بطيء من أجل فرض حصار على المدن والأهداف الأوكرانية المحددة. وقد لوحظ ان الضربات الروسية لم تتعرض لأجهزة القيادة والسيطرة في أوكرانيا ولا إلى القيادات السياسية والادارية والعسكرية والأمنية. كانت البيانات العسكرية الروسية نادرة ولم تقدم احاطة تامة ومتواصلة لسير العمليات الحربية. في المقابل، كانت القيادة الأوكرانية تحث القيادات المحلية على الصمود وعدم الاستسلام للقوات الروسية ونجحت في نشر مفهوم لدى الرأي العام ان ما يجري هو عملية محدودة التوقيت والاهداف وسرعان ما سينسحب الجيش الروسي! تحدث الأوكرانيون عن «مقاومة عنيفة» و«عن وقف تقدم القوات الروسية» وأوردوا أرقاما كبيرة للخسائر الروسية فيما اكتفت القيادة الروسية ببيان يشير الى مقتل نحو 500 جندي وضابط روسي. ذهب بعض المراقبين والمتابعين الى حد القول إن روسيا فشلت وأنها سوف تتراجع، وتوقع البعض الآخر أن يتوقف الروس عن القتال.

 

نقترب من نهاية الأسبوع الثالث والقتال ما يزال مستمراً وتواصل القوات الروسية تقدمها على محاور مختلفة، فيما قررت التعامل مع الدعم الغربي بأن استهدفت تجمعات الاسلحة والمقاتلين في غرب أوكرانيا، في تطور هو الأول من نوعه منذ بداية الحرب. تشي تحركات القوات الروسية انها ليست مرتجلة وانها تلتزم بخطة عمليات مقررة مهما كانت الظروف، كما تتعامل مع المتغيرات الميدانية وفق خطة رديفة لكن محددة. ما هي ملامح الخطة الروسية استنادا الى ما اعلن من تحركات ميدانية على الارض؟

 

محاور الشمال: تقدم رتل عسكري روسي طوله نحو ستين كلم من بيلاروسيا شمالاً الى تشيرنوبيل ووصل الى غوستوميل بعد ان احتل المطار الواقع في مجمع انطونوف للطيران واتخذت القوات منه قاعدة كونه يتميز بمدارجه العريضة وموقعه القريب من شمالي العاصمة كييف (نحو 25 كلم) والمراكز الحكومية في شمال العاصمة. وفي الشمال أيضاً، تقدمت القوات الروسية من مدينة تشيرنهيف الى شرق العاصمة كييف وعلى محور الشمال الشرقي ايضا تقدمت القوات الروسية من سومي باتجاه جنوب شرق كييف. تابعت القوات تقدمها باتجاه المحاور الثلاثة ووصلت الى ايربين في غرب كييف والى بروفاري جنوب شرق كييف. يمكن الاستنتاج من تحرك القوات الروسية على هذه المحاور الشمالية الثلاثة انها تتقدم جنوباً لتطويق العاصمة كييف وفرض حصار محكم عليها.

 

المحور الشمالي الشرقي: عبرت القوات الروسية الحدود مع اوكرانيا وطوقت مدينة خاركيف القريبة من الحدود وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد ويبلغ عدد سكانها نحو مليون ونصف المليون نسمة. كما عبرت الحدود في الشمال الشرقي وفرضت حصارا على مدينة سومي وتجاوزتها وتقدمت الى شرقي كييف، كما ورد آنفاً. المحور الشرقي: تقدمت قوات اقليم دونباس الحليفة للقوات الروسية من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك باتجاه الغرب واخترقت خطوط التماس مع القوات الاوكرانية وهي خطوط عمرها سبع سنوات كانت شهدت قتالا متقطعا وسكانها من الاثنية الروسية ما ادى الى مقتل نحو 12 الف مدني وعسكري. بالطبع استفادت قوات الجمهوريتين من الدعم الروسي وسيطرت على مساحة تمتد نحو خمسين كلم غرب خطوط التماس. المحور الجنوبي الشرقي: تقدمت قوات جمهورية دونيتسك جنوبا نحو مدينة ماريوبيل على بحر ازوف وفرضت حصارا عليها. يبلغ عدد سكان المدينة نحو 400 الف نسمة وتشير الانباء الى سيطرة القوات على قسم منها بعدما اعلنت السلطات المحلية عن فقدان الوقود والطاقة والمواد الغذائية وتعرضها لقصف شديد من القوات المُحاصِرة. تسعى القوات الروسية وقوات دونيتسك إلى إحكام سيطرتها على الساحل الشمالي لبحر ازوف ووصل اقليم دونباس بشبه جزيرة القرم. المحور الجنوبي: تقدمت القوات الروسية من شبه جزيرة القرم باتجاه خيرسون ثم تابعت شمالاً وسيطرت على زابورجيا أكبر محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في اوروبا. تقدم قسم من القوات من خيرسون الى ميكولاييف للمباشرة بحصار مرفأ ومدينة أوديسا على البحر الاسود.

 

ملامح الخطة الروسية:

 

يمكن قراءة الخطة العسكرية الروسية على الشكل الآتي: أولاً؛ تتجنب القوات الروسية دخول المدن والتورط في حرب شوارع خصوصاً في ظل المعلومات المتداولة عن انتشار ميليشيات نازية مثل كتائب الازوف والقطاع اليميني وغيرها وهي مجموعات متفلتة ولا تخضع لقيادة نظامية ولا تتورع عن إرتكاب أي عمل ضد سكان المدن الاوكرانية مع الاشارة الى ورود انباء عن ضغط وتهديد يتعرض له السكان وابرز مثل هو مقتل احد اعضاء الوفد الاوكراني المفاوض مع روسيا في مباحثات بيلاروسيا بحجة انه تساهل اثناء المفاوضات. كما ان القوات الروسية تتجنب الانغماس في حرب عصابات على الطريقة الافغانية وهذا ما تهدف اليه الولايات المتحدة وحلف الاطلسي، حيث يترجم بنوعية الاسلحة التي تُقدّم للجانب الأوكراني وهي بمعظمها صواريخ مضادة للدبابات من نوع جافلين Javelin وصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من نوع ستينغر FIM-92 Stinger. وهذا التسليح يقدم من اجل شن حرب عصابات ضد القوات الروسية يمكن معرفة كيف ومتى تبدأ لكن لا يمكن التنبؤ بنهاياتها.

 

ثانياً، تُركّز القوات الروسية على تطويق المدن والسماح بخروج المدنيين وهي بذلك تخلق ازمة نازحين غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. اذا تفاقم الوضع الراهن (عدد النازحين خارج البلاد يبلغ حالياً حوالي 2.7 مليون و7 ملايين داخلها وأضرار البنى التحتية بقيمة مائة مليار دولار) وصرنا أمام أرقام عالية فان اوروبا الوسطى والشرقية القديمة سوف تجد نفسها امام معضلة كانت تتفرج عليها مسبقا ووصلت اليها. اكثر ما ينطبق هذا الوضع هو على بولونيا.

 

ثالثاً؛ من المعروف انه منذ العام 2014 عندما وقعت الانتفاضة القومية النازية التي ادت الى طرد الرئيس المنتخب فيكتور يانوكوفيتش والسيطرة بالقوة على السلطة، حشدت القيادة الاوكرانية وحدات كبيرة من الجيش على طول الحدود مع جمهوريتي دانتيسك ولوغانسك في مواجهة قوات الجمهوريتين المدعومتين من روسيا. من الناحية الجغرافية اصبح الجيش الاوكراني بمعظمه شرق نهر الدينيبر وهو اطول نهر في اوكرانيا وينبع من روسيا ويخترق بيلاروسيا ثم يدخل اوكرانيا ويتعرج نحو الشرق ثم يتجه جنوبا ويصب في البحر الاسود. والملاحظ أيضاً أن القوات الروسية تسعى الى التقدم من خيرسون الى زابورجيا ثم مدينة دينيبرو لتصل الى كييف وبذلك تسيطر على مجرى نهر الدينيبر في جميع انحاء اوكرانيا. بهذه الحركة التي تتطلب وقتا طويلا، اي اسابيع وربما اشهر، حسب «المقاومة الاوكرانية»، فان القوات الروسية تقوم بعملية عزل استراتيجية للقوات الاوكرانية ومحاصرتها شرقي نهر الدينيبر. لن تتمكن القوات الاوكرانية من الصمود طويلاً إذ أنها ستكون عرضة لهجمات قوات جمهوريتي اقليم دونباس من الشرق والقوات الروسية من غرب الدينيبر كما ان المدن الاوكرانية في شرق الدينيبر ستكون محاصرة تماما. هذا ما يبدو من تحركات القوات الروسية على المحاور كافة وفي محيط المدن وهذا ما من شأنه بعد فترة زمنية ان يؤدي الى إنهيار الجيش الاوكراني العاجز عن الصمود بغياب المؤن والوقود والامدادات الطبية وغيرها.

 

هذه هي الملامح الأولية للخطة العسكرية الروسية ويتطلب تنفيذها وقتا طويلا يعتمد على قدرة الجيش الاوكراني على الصمود والامساك بالكتائب المتطرفة داخل المدن.