لستُ أدري ما إذا كنّا اليوم في حاجةٍ إلى إجراء فحصٍ للـدمِ الوطني، لنعرف ما إذا كانت كُرواتُ الـدم البيض وكُرواتُ الـدم الحمـر مطابقةً لألوانِ العلمِ اللبناني.
من المؤشّرات التي تستوجب الفحوصات، إرتفاعُ حـرارة الحنين إلى اللاّوطن، وانفصامُ كينونةِ الـذات الوطنية للإنخراط في الصراعات الخارجية ولعبة الأمـم.
فوق ما نحنُ فيه، وما أصبحنا عليه، قرأنا بغرابة ما أوردته وكالة الأنباء الروسية: «بأنَّ لبنانيين أبدوا استعدادهم للقتال في أوكرانيا لصالح روسيا..»
مَـنْ هـمْ هؤلاء اللبنانيون الفرسان الذين يحملون السيوف الروسية لقطْعِ رؤوسٍ حـان قطافُها في أوكرانيا..؟
وهل تحتاج روسيا التي تضمّ 140 مليون بشري إلى فرقـةٍ من الإنكشارية اللبنانية لمناصرتها على الشعب الأوكراني..؟
وهل مِـنْ شيَـمِ اللبنانيين أنْ يقاتلوا لتحرير أوكرانيا من استقلالها وتهجـير شعـبٍ من أرضـه، وتشريـد الأبرياء من الأطفال والنساء في مواكب الـذلّ والنزوج..؟
اللبناني اللبناني بالـدم، هو الذي يتحلّى بشهامة الفروسية، يثور على الظلم والإستبداد والإستعباد، يناصر حـقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ويأبى أنْ يكون من المرتزقة في جيش السلطان.
«لافيّيت» قائـدٌ وسياسي فرنسي ترأّس مجموعةً من الفرسان وشارك في حـرب الإستقلال الأميركي (1775-1782) لتحرير الولايات المتحدة من الإحتلال البريطاني، ثـم عـاد ليشترك في الثورة الفرنسية (1789-1799) لتحرير فرنسا من مظالم النظام الملكي.
واليوم، في القرن الواحد والعشرين تُنْتَـهَكُ حريـة الشعوب وتبطش «الفروسية» المتوحّشة بالملايين من البشرية البريئـة ضحايا المهالك والمحارق لإشباع جنون الحكام وغرائـز الأنظمة.
ويبقى هناك حسٌّ إنساني ووجداني يطغى على العصبية السياسية والعقائدية والدينية نصـرةً لإرادة الشعوب وحقوقها.
أستاذ الدراسات في جامعة مقدونيا اليونانية، مع أنّـه يـرى أنّ ثمـة مشاعر تربط اليوناني بدولـة روسيا لجهـة التاريخ والثقافة المشتركة القائمة على الأرثوذكسية، فإنّ الأغلبية اليونانية الطاغية أعربت عن دعمها لأوكرانيا لدرجة أنّ السفارة الروسية في «أثينـا» دانت التهديدات والشتائم التي وجّهت إلى رعايا الروس في اليونان.
الدول العظمى تتقاتل لتحقيق مصالحها، تتصارع ثم تتصالح على حساب حـق الشعوب المستضعفة ومصيرها.
عندما تزعّمت إلمانيا القوى المضادة للإتحاد السوفياتي 1934 عكَسَ الإتحاد السوفياتي اتجاهَـهُ فانضمّ إلى عصبـة الأمـم التي سبَقَ وهاجمها بوصفها إتحاداً من الدول اللصوص، ولـمّا فشل في الإتفاق مع بريطانيا وفرنسا تحـوّل إلى إلمانيا التي ظـلّ سنوات ينـدّد بها، وعقد اتفاقاً مع هتلر ليضمن لـه الحماية من الدول الأوروبية.
هناك مثلٌ عامي يقول: عندما تتقاتل الـدول إحـمِ رأسك
رأسك ورأس لبنان والتاريخ والجغرافيا والكيان وتراث الماضي وآفـاق المستقبل ومصير الإنسان، هذه كلّها تعّرضت للإغتيال وتحتاج إلى فروسيةٍ لبنانية لاستردادها، إلاّ إذا كان مكتوباً علينا التأقْلُم مع الجحيم كما يقول مثلٌ روسي: «في وسع المـرء أنْ يعـوّد نفسه على كـلّ شيء حتى على الجحيم..»
الجمعية الوطنية إبَّـان الثورة الفرنسية فرضـتْ على المسؤولين والموظفين قسمَ يمين للمحافظة على المبادىء الوطنية، وأصدرتْ قـراراً يلزمهم بذلك تحت وطـأة ترحيلهم إلى «غويّانا».
بمثل هذا يكون الإمتحان لخلاص لبنان والتخلّص من إجـراء فحص الدم.