IMLebanon

الحل الدبلوماسي ينتظر الحسم في كييف ويتوقف في فيينا

 

 

كتب المحامي د. أحمد مكداش في صحيفة اللواء:

مع تقدم الجيش الروسي في تنفيذ عملياته العسكرية في أوكرانيا، واقترابه من الإطباق على مدينة «ماريوبول» الاستراتيجية والعاصمة كييف، وفشل الاجتماع الثلاثي على مستوى وزراء الخارجية في «أنطاليا» بتركيا، بدا أن الحل الدبلوماسي للأزمة الأوكرانية ينتظر الحسم السياسي أو العسكري في كييف. وقد صرح وزير خارجية روسيا «سيرغي لافروف» أن موسكو تريد أوكرانيا صديقة منزوعة السلاح ولا تشكل خطراً على روسيا وثقافتها. ومن جهته صرح وزير خارجية أوكرانيا «دميترو كوليبا» أن الموافقة على مطالب نظيره الروسي تعني الاستسلام، وأوكرانيا لن تستسلم، بل تريد حلاً متوازناً.

 

ولكن ما مدى معقولية التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة الأوكرانية في محاكاة المطالب والشروط الروسية من جهة، والاتفاق على حل متوازن مع أوكرانيا والغرب من جهة ثانية؟ وما هو تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على مسار المفاوضات بشأن الاتفاق النووي مع طهران في فيينا؟

 

المطالب والشروط الروسية لوقف الحرب كما حددتها موسكو هي:

 

1- تعديل دستور أوكرانيا ونبذ أي مطالب بالإنضمام لأي تكتل.

 

2- وقف العمليات العسكرية الأوكرانية تماماً وإنجاز روسيا لنزع سلاح أوكرانيا.

 

3- إعتراف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم أرضاً روسية، واعترافها بدونيتسك ولوغانسك كدولتين مستقلتين.

 

إن فرض الشروط الروسية بالصورة المعلن عنها غير واقعي من الناحية المبدئية، ويقابله عدم واقعية أكبر من الجانب الأوكراني في طلب وقف اطلاق النار وانسحاب فوري للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية قبل البدء بالمفاوضات حول المطالب والضمانات الأمنية للطرفين. وتصريح لافروف في أنطاليا يعيد عربة المفاوضات الى بيلاروسيا قبل أن تسير في تركيا. وزير الخارجية الروسي قصد أن لقاءه بنظيره الأوكراني في جنوب تركيا هو فقط لدفع مسار المفاوضات القائم في بيلاروسيا. وفي النهاية الحل الدبلوماسي سيحتاج إلى تنازلات من كل الأطراف.

 

في الجانب الأوكراني، سيكون مستبعداً القبول بإملاءات روسيا في دستور البلاد، وبمنع أوكرانيا من الإنضمام إلى أي تكتل مستقبلاً. مع ذلك نجحت روسيا في القضاء على طموحات أوكرانيا بالانضمام الى حلف الناتو الذي لا يريد الدخول في الحرب ضد روسيا. كما أن مسألة قبول عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي دونها صعوبات حيث قال الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» أنه لا يظن أن بمقدور الاتحاد الأوروبي الشروع في عملية قبول عضوية دولة بحالة حرب.

 

قد يكون الحل الدبلوماسي في حياد أوكرانيا وعدم انضمامها الى حلف الناتو أو أي حلف عسكري، وفي السماح لها بالدخول في تكتلات غير عسكرية ضمن شروط معينة. توقف العمليات العسكرية الأوكرانية تماماً سيكون منطقياً مع اعلان وقف اطلاق النار، وقضية نزع سلاح أوكرانيا إن لم تكن على طاولة المفاوضات فهي في ميدان العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. أما شروط روسيا المتعلقة بمجالها الجيوسياسي في شبه جزيرة القرم، وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، فسيكون التسليم بقبولها رهناً بالمرور عبر آلية دولية صلبة من ضفة التمسك بوحدة الأراضي الأوكرانية وعدم تجزئتها قبل بداية الغزو الروسي الى ضفة أوكرانيا الجديدة في مرحلة ما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

 

وبالنسبة إلى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على مسار المفاوضات في فيينا، وبينما كان الغرب يتحدث عن اتفاق نووي وشيك مع طهران، جاء الموقف الروسي من خارج السياق حسب تصريحات واشنطن ليطلب حقوقاً متساوية بين جميع الأطراف في هذا الاتفاق، ويشترط الحصول على ضمانات مكتوبة بعدم شمول العقوبات الغربية على روسيا لعلاقات موسكو وتعاونها مع طهران في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والتقنية والعسكرية. وسرعان ما خرجت الاتهامات المتبادلة بعرقلة الاتفاق النووي بالتوازي مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية وتبادل الاتهامات في مسألة الممرات الانسانية واجلاء المدنيين من «ماريوبول» وباقي المناطق والمدن الأوكرانية المحاصرة.

 

الحل المتوازن في حرب أوكرانيا يستتبع حلاً متوازناً في المفاوضات النووية في فيينا. فهل يتقدم الحوار بين الأطراف قبل سقوط كييف؟ ربما سبقهم الرئيس بوتين بخطوة في الملف النووي الإيراني، والسقوط بدون مظلة سياسية سيؤدي إلى تهديد أكبر لمنظومة الأمن الاستراتيجي في أوروبا. وفي اليوم السادس عشر من الحرب الروسية في أوكرانيا أعلن الإتحاد الأوروبي عن توقف المفاوضات النووية في فيينا بسبب عوامل خارجية تتعلق بالضمانات المطلوبة من موسكو والمرفوضة من واشنطن. والسؤال الآن: هل تنجح السياسة الروسية النووية في فيينا في دفع مسار التفاوض نحو الحلول السياسية أم أن الحل الدبلوماسي سيبقى بانتظار الحسم العسكري في كييف؟.