IMLebanon

الحرب الروسية – الأوكرانية… بدأت عام 2014 ولا تزال  

 

 

قد يستغرب القارئ العزيز هذا العنوان، لكنّ هذا العنوان هو ما قاله وزير خارجية أميركا اليهودي المتعصّب والخطير، والذي يعتبر من أكبر المخططين السياسيين. فهو خرب العالم العربي بدءاً بالعام 1973، عندما شاهد الجيش العراقي يمنع الجيش الاسرائيلي من احتلال دمشق. يومذاك قرّر أن يدمّر هذا الجيش العربي، خوفاً على اسرائيل. ومن أجل ذلك طلب من شاه إيران، أن يقوم بحرب على العراق لأنّ المطلوب هو تدمير الجيش العربي العراقي. رفض الشاه طلبه قائلاً: إنه لا يريد أن يدمّر إيران من أجل مصلحة اسرائيل.. لذلك قام كيسينجر بترتيب ثانٍ حيث جاء بآية الله الخميني الذي كان هارباً من الشاه ومختبئاً في النجف، وحضّروه ضمن مشروع ديني وهو التشييع، أي تحويل العالم العربي الاسلامي السنّي الى مجتمع شيعي.

 

وهكذا نقل آية الله الخميني الى باريس، حيث جُهّز وبترتيب المخابرات الأميركية ليعود الى طهران ويخلع الشاه، الذي هرب مع عائلته خارج البلاد، ولم تقبل أية دولة في العالم استقباله، إلاّ رحمه الله الرئيس المصري أنور السادات متحدّياً العالم كله.

 

وهكذا وما إن عاد آية الله الخميني حتى رفع شعار التشييع وأنه يريد أن يكون العالم العربي كله تحت سيطرة ولاية الفقيه، وهذا ما حدث.

 

أعود الى ما قاله هنري كيسينجر بشأن الأزمة الروسيّة – الأوكرانية في «الواشنطن بوست» في 15 آذار عام 2014، بداية الحرب الروسية – الأوكرانية (حسب نظريته):

 

«لقد شهدت في حياتي أربعة حروب اندلعت بكثير من الحماسة والاندفاع والدعم العام، لكننا لم نعرف في الحالات الأربع كيف ننهيها. وفي ثلاثة منها انسحبنا منها من طرف واحد. مشدّداً على ان «محك السياسة هو كيف تنتهي لا كيف تبدأ».

 

وخلص الى أن سعي أحد الطرفين: الروسي أو الغربي الى الهيمنة على الآخر سينتهي آخر المطاف الى حرب أهلية أو تفكّك. ولفت كيسينجر الى ان المسألة الاوكرانية تُصَوّر كمواجهة.. فهل تنضم كييڤ الى الشرق أم الى الغرب؟ لكنه رأى ان استمرار اوكرانيا وازدهارها يعتمد على عدم تحوّلها الى قاعدة أمامية للشرق في مواجهة الغرب أو العكس بالعكس، فهي يجب أن تكون جسراً بين الطرفين. وأضاف: على روسيا أن تتقبّل أنّ محاولتها إجبار أوكرانيا على أن تكون دولة تدور في فلكها، وبالتالي تحريك حدود روسيا مجدداً، سيحكم على موسكو بتكرار تاريخها من الدوران في حلقات مفرغة.

 

وتابع يقول: أما الغرب فيجب أن يفهم ان أوكرانيا في نظر روسيا لا يمكن أن تكون مجرّد بلد أجنبي، فتاريخ روسيا بدأ في ما كان يسمّى «روسيا الكييڤية» والديانة الروسية انتشرت من هناك.

 

وكانت أوكرانيا جزءاً من روسيا لقرون، وكان تاريخهما متداخلين قبل ذلك. وجرت بعض المعارك الأهم من أجل حرّية روسيا، بدءاً بمعركة بولتافا عام 1709 على التراب الأوكراني. ويرسو أسطول البحر الأسود الروسي (وسيلة روسيا لتوسيع السلطة في البحر المتوسط) في سيفاستوبول بالقرم، في مقابل إيجار بعيد الأجل.

 

أضاف كيسينجر: يجب على الاتحاد الاوروبي أن يدرك أنّ تهديده بالسيطرة على أوكرانيا اسهم في تحويل المفاوضات الى أزمة سياسية.. إضافة الى ان الاوكرانيين يعيشون في بلاد ذات تاريخ معقّد وبنية متعددة اللغات. فالجزء الغربي دُمِج في الاتحاد السوفياتي عام 1939 حين تقاسم ستالين وهتلر المغانم. ولم تصبح القرم التي يُعَدّ الروس 60 في المئة من سكانها، جزءاً من أوكرانيا إلا عام 1954، حين منحها نيكيتا خروتشوف الاوكراني المولد الى أوكرانيا من ضمن الاحتفال بالذكرى الـ300 لاتفاق روسيا مع القوقاز. كما لفت كيسينجر الى ان الغرب كاثوليكي إجمالاً، والشرق ارثوذكسي روسي إجمالاً، وأي محاولة يبذلها أحد الجناحين للهيمنة على الآخر (كما هي الحال) ستؤدي في النهاية الى حرب أهلية أو تفكّك. كما نبّه كيسينجر الى ان أوكرانيا لم تستقل إلاّ عام 1991، بعدما ظلّت تحت أنواع من الحكم الاجنبي منذ القرن الرابع عشر. غير ان قادتها لم يتعلموا برأيه من التسوية. واعتبر ان العمل السياسي في أوكرانيا بعد الاستقلال، يبيّـن بوضوح ان اساس المشكلة هي في جهود السياسيين الاوكرانيين المنتمين الى فصيل لفرض إرادتهم على أجزاء معارضة لهم. وشجّع كيسينجر الولايات المتحدة يومذاك على اتباع سياسة حكيمة إزاء أوكرانيا، تسعى الى طريقة لتعاون المنطقتين. فنحن يجب أن نسعى الى المصالحة، لا الى سيطرة جزء على الآخر ولن تستطيع روسيا فرض حلّ عسكري من دون عزل نفسها، في وقت تعاني فيه معظم مناطقها الحدودية اضطراباً، وبالنسبة للغرب فليست شيطنة بوتين سياسة ناجحة.

 

ووضع كيسينجر نقاطاً عدة للحل منها:

 

أولاً: يجب أن تكون لأوكرانيا حرية اختيار روابطها الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك روابطها مع أوروبا، وعليها ألا تلتحق بحلف شمال الاطلسي، وهو موقف اتخذته قبل سبع سنوات حين طُرِح للمرة الأولى.

 

ثانياً: يجب منح أوكرانيا حرية إنشاء أي حكومة تتوافق مع الارادة التي يعبر عنها شعبها.

 

ثالثاً: إن ضم روسيا للقرم لا يتوافق مع قواعد النظام العالمي القائم. وعلاقة القرم بروسيا كانت يجب ان تكون أقل توتراً.

 

رابعاً: على اوكرانيا تعزيز الاستقلال الذاتي للقرم في انتخابات تجرى في حضور مراقبين دوليين.

 

خامساً: إزالة الغموض بوضع أسطول البحر الأسود.

 

يختم كيسينجر: إنّ هذه مبادئ، لكنها ليست وصفات علاجية، معيار النجاح لن يكون بالرضا المطلق، بل الحل في موازنة عدم الرضا. وإذا لم يتم تدارك الموقف باتباع هذه الخطوات، فإنّ الانجراف نحو الهاوية سيتسارع، وسيحل وقت المواجهة بسرعة.