يصبح واقع اليوميّات السياسيّة اللبنانيّة باهتاً جدّاً أمام حرائق الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة، إذ تبدو فاقعة جدّاً العناوين في الدّاخل اللبناني ومملّة إلى أبعد الحدود حيث يترشّح السياسيّون ذاتهم ليضمنوا بقاءهم في النّدوة البرلمانيّة من كبيرهم إلى صغيرهم. ووقح جدّاً رأس الحكومة وهو يتحدّث عن «إثبات الذّات» أو يؤكّد «للأشقّاء العرب» أنّنا نعتمد عليهم في مساعدة لبنان لكن لا نستطيع أن نكون معهم في مواقفنا السياسيّة ولا مع المحور الذي يناصبهم العداء ويزعزع الأمن في بلادهم ويموّل بالصواريخ الباليستيّة والمسيّرات المفخّخة وبالمال والرّجال من يستهدفهم بقصف مدنهم ومطاراتهم ومناطقهم الحيويّة، وهذا المحور هو نفسه سيطر بالسلاح والمال والرجال على لبنان وصادر قراره، فنحن أدعياء الحياد عندما يتعلّق الأمر بالأشقّاء العرب فقط أما إذا تعلّق الأمر بما يهم إيران فنحن أرض معاركها ومنصة صواريخها لابتزاز العالم!
الوقت اللبناني المملّ تسيطر عليه يوميّات الحرب الأوكرانيّة، مشاهد الحرائق المشتعلة والمتنقّلة بفعل القصف تعبث بذاكرة اللبنانيّين ولا تقلّ عنها مشاهد اللاجئين. فمع كلّ كلمة تعاطف تقفز من ذاكرتنا مشاهدنا هاربين نازحين من مدينة إلى أخرى أو لاجئين من بلد إلى آخر، بدون شكّ تثير المشاهد الأوكرانيّة قصفاً ودماراً وخراباً وتهجيراً ولجوءاً في كلّ مواطن لبناني وتوقظ في ذاكرته كلّ تاريخ الحرب اللبنانيّة ومشاهدها القاسية، ربّما لأنّ أوكرانيا تحاكي أزمتها في موقعها الجغرافي وحساسيّة موقع لبنان الجغرافي وكلّ التبعات التي يتحمّلها في عقل اللبناني الذي تشكّل هذه الحساسيّة جزءاً من أحلامه الكامنة وأمنياته بأن يا ليت كان بالإمكان تغيير قدر الجغرافيا اللعينة!
وبقدر الوقت اللبناني المملّ يبدو أنّ التّجاهل الأوكراني لحقيقة أنّ القيادة الأوكرانيّة أخطأت في الرّهان على حليفيْها الأميركي والأوروبي، ومع دخولهم اليوم الثّامن للحرب التي أشارت التقارير الأميركيّة بالأمس الى أنّ 90 بالمئة من القوات الرّوسية محتشدة على الحدود الأوكرانيّة، لا يزال عند المسؤولين الأوكران أمل بأن يتدخّل الحلفاء الذين تخلّوا عنهم بسير هذه الحرب، ومن المستغرب أن يطلب حاكم العاصمة كييڤ غطاء جويّاً ـ بعدما فقد الجيش الأوكراني غطاءه الجوّي ـ يمكّنهم من تحييد الطيران الرّوسي، هل هو نوع من غباء أو نوع من يأس أن يعتقد المسؤولين في أوكرانيا أنّ ما يطلبونه أمر ممكن التّنفيذ فيما الحقيقة أنّ أي غطاء جوي من دول النّاتو يعني اندلاع حرب عالميّة، وأنّ هذا الأمر غير وارد، وأن الأوكران لن يحصلوا من حلفائهم على أكثر من بيانات الاحتجاج والاستنكار والمساعدات على أعلى مستوى للتّخفيف من عذاب الضّمير ليس إلا!