IMLebanon

عن مظلّات السياسة والأمن والنقد.. كي لا يسقط الهيكل

بري والمشنوق يواجهان تحلّل الدّولة بالحوار والانتخابات

عن مظلّات السياسة والأمن والنقد.. كي لا يسقط الهيكل

حين دقّ الخطر أبواب القاع، لم ينتظر أبناء المنطقة ضوءاً أخضر يأتيهم من حكومتهم «العاجزة» كي يرفعوا سلاحهم بوجه الهجمة التكفيرية الآتية ولم يكترثوا حتى للأصوات الرسمية التي ارتفعت منددة بالأمن الذاتي.

بالأساس، هم مجهَّزون نفسياً وقتالياً لمواجهة أي خرق أمني قد يهدد صمودهم بالدم والنار ويحملهم الى قافلة الاستهدافات الدموية. لا حكومة مجتمعة قد تنفع ولا سلطة سياسية قد تؤمن لهم دروعاً بشرية أو حتى حديدية تحميهم من المدّ الأسود المتربص بهم. فصار الأمر لهم.

وحدها الأجهزة الأمنية، وتحديداً مؤسسة الجيش يمكن لها أن تشكل نوعاً من الضمانة المعنوية والعسكرية ضمن الإمكانات المحدودة، لمساعدة أهالي القرى الحدودية على الشعور بشيء من الطمأنينة، ولو أنها مهددة في أي لحظة.

عملياً، نجحت الأجهزة الأمنية، كلٌّ من موقعه، في تحييد ذاتها عن مستنقع الشلل الذي يصيب المؤسسات الدستورية. وبحجة «استقرار المؤسسة العسكرية» وعدم تعريضها للفراغ، صارت حكومة تمام سلام على حافة الانهيار، ما جعل من الأولى أن تتقدم أهمية ومصيراً، على الثانية.

وبينما يستسلم مجلس النواب لقدر «البطالة» التي ارتضاها لنفسه ربطاً أيضاً بالشغور الرئاسي، وتخلى طوعاً عن مسؤولياته الوطنية لا سيما في اللحظات الحرجة التي تكون فيها البلاد برمتها على كفّ عفريت، تحاول القوى الأمنية ملء بعض الفراغ من خلال رصدها للخلايا الإرهابية والتكفيرية وكشفها للحؤول دون تحوّلها الى قنابل موقوتة. وصارت اليرزة عنواناً للاستقرار الأمني، بمباركة إقليمية ـ دولية.

هكذا، يصير الأمن جزءاً من مظلة الضمانات التي لا تزال حتى اللحظة تحمي البلاد من الانزلاق الى الانهيار.

بالتوازي مع الضمانة الأمنية، تبيّن أيضاً أنّ الاستقرار النقدي لا يزال يحتّل مساحة لا بأس بها من الحرص الدولي على لبنان. فعلى الرغم من الاشتباك الذي وقع بين جمعية المصارف اللبنانية و «حزب الله» ربطاً بقانون العقوبات الأميركية، والذي بلغ ذورته حين قررت المصارف التصرف بمَلكية أكثر من الملك، فإنّ التفاهم الذي جرى التوصل اليه بين الجهتين بوساطة حاكمية مصرف لبنان يثبت أنّ القطاع المصرفي في لبنان فيه من الضمانة ما يتيح له أن يخرج كالشعرة من عجين التحلل الذي يصيب المؤسسات الدستورية ويعطّل البلاد.

هكذا، يصير الأمن والنقد خطان أحمران لا امكانية للمخاطرة بوضعهما على خطّ النار، حتى لو استجدت عناصر مفاجئة احتاجت الى تدخل سريع من أصحاب الاختصاص، ومن أولياء الأمر الاقليميين والدوليين.

ومع أنّ بعض القوى السياسية يرفع أيديه استسلاماً لمشيئة التعطيل كونها مرتبطة بالصراع الاقليمي المفتوح على مزيد من التصعيد الذي يحول دون فصل لبنان عن بقية المسارات المحيطة به لا سيما السورية، الا أنّ هناك من كان لا يزال متأملاً أنّ للبننة هامشاً لا بأس به يمكن الاستفادة منه لتحقيق خرق ما، يبدأ بالرئاسة وينتهي بقانون الانتخابات وسيمرّ بطبيعة الحال بتوازنات المرحلة المقبلة. لا يزال هناك شيء من الضمانة السياسية لعدم سقوط الهيكل!

يعرف الرئيس نبيه بري جيّداً أنّ تضارب المصالح بين القوى السياسية يجعل الأفق مسدوداً، ولعل الانقاسامات الحاصلة حول انتخابات الرئيس هي أصدق تعبير عن الدائرة المقفلة التي تعجز الحياة السياسية عن الخروج منها.. ومع ذلك لا يستسلم الرجل ويصرّ على البحث عن ابرة التفاهم في كومة قشّ التناقضات، حتى لو انكفأ قليلاً.

بهذه الروحية، أخرج بري أرنب طاولة الحوار من تحت قبعته وهو يعرف مسبقاً أنّ حبس أقطاب الصفّ الأول في سجن إلزامي قد لا يقودهم أبداً الى جنة التفاهم، ولكنه لم ييأس من المحاولة، على قاعدة أنّ طاولته صارت حاجة لكل المكونات. يفتش عن كوة ولو صغيرة بمقدوره التوسع بها لينقل الطبقة السياسية برمتها من حالة الاهتراء الى غرفة الانعاش التي باتت ضرورية قبل فوات الأوان.

في السياسة أيضاً، ثمة ركن في الدولة المتحللة قادر على مواجهة عوارض الموت السريري، من خلال أدائه الأمني ـ السياسي. قاد نهاد المشنوق الانتخابات البلدية بعدما صمّ أذنيه عن كل «الهمس التخريبيّ» الساعي الى خنق المجالس المحلية في عنق الزجاجة أسوة بالبرلمان. وأعادت ضخّ الحياة في شرايين الهيئات البلدية. وها هو اليوم يخطو الخطوات ذاتها على الطريق المؤدية الى طاحونة الانتخابات النيابية بمعزل عن العوائق السياسية البادية بوضوح.

وكان الرجل كما يبدو اليوم، وكأنه يخالف مزاج التركيبة السياسية مع أنه يحظى بغطاء فريقه السياسي، ولكنه معروف عنه أنه ليس ممن يبصمون أو ينفذون أوامر قيادتهم على «العميانة». ما يعنيه هنا هو الحرص على علاقته بسعد الحريري، الممتازة، رغم كل ما يقال عن توتر يلحقها بين الحين والآخر. الأكيد أنّه لا يتمرد على التزامه السياسي لكنه لا يتخلى بالمقابل عن هامش استقلاليته.

بالسياسة أيضاً يتصرف «رجل الصنائع» وكأن امكانية فك الطوق عن الحالة الرئاسية وملحقاتها، حاضرة دوماً. لا مكان للاستسلام في قاموس يومياته السياسية. يصرّ على أنّ تحقيق الخرق ممكن. ومن يظنّ أنّ نهاد المشنوق كان في يوم من الأيام (خلال المرحلة الأخيرة) مكشوف الظهر اقليمياً، وتحديداً سعودياً، فهو لا يعرفه أبداً.