Site icon IMLebanon

«الأرنب» الجديد يقفز على الطاولة: لنفرض وصاية أممية مؤقّتة على غزة

 

 

من يسأل عمّا يفعله العرب لغزة فإن الجواب أن حراكاً جدياً تقوم به دول عربية كبيرة، لكن ليس لنصرة القطاع المحاصر، بل لمساعدة العدو في تحقيق أهدافه. فقد تطوّعت دول بارزة يتقدّمها الأردن والإمارات العربية المتحدة لتطوير برامج عمل على إنشاء سلطة بديلة عن حماس في قطاع غزة، مستفيدة من «لا ممانعة مصرية وسعودية»، وهو ما تشير إليه الاتصالات الجارية على هامش المفاوضات.وبعدما انتهت آخر جولة من المفاوضات إلى قناعة بأن جميع الوسطاء يبحثون في صيغة «اليوم التالي»، تشير الجهود القائمة بشكل مواز إلى أن النقاش يشمل «لاعبين إقليميين مؤثّرين»، مع جهود لإطلاق حوار بين الفلسطينيين أنفسهم. ويبدو أن هناك مساعيَ لتوسيع نقاش بدأ بين كيانات فلسطينية يعتبر القطريون والمصريون أنها قريبة من المقاومة، لوضع رؤية وتصوّر لليوم التالي، بما توافق حماس على مناقشته.

ومع نجاح السلطات الأردنية في تحقيق الطلب الأميركي بإفشال مساعي الصين في ترتيب لقاء فلسطيني شامل، لا تزال بكين مصرّة على خطوتها. وتؤكد مصادر فلسطينية أن النقاش يتقدم نحو إعادة عقد الاجتماع الشامل الذي كان مقرّراً في 24 حزيران الماضي، والذي تعطّل بعد قرار رئيس سلطة رام الله محمود عباس استجابةً لطلب أردني صريح بعدم إرسال وفد يمثّل السلطة وآخر يمثّل حركة فتح. وتبيّن أن عمان تعمل بالتعاون مع الإمارات على تنشيط قنوات تواصل وتفاوض غير رسمية بين جهات معادية للمقاومة للسيطرة على قطاع غزة، ونزع السلطة من يد حماس. وهو جهد تشارك فيه قوى وعواصم وجهات وشخصيات فلسطينية وعربية وإسرائيلية وأممية.

ويبدو أن المتغيّرات التي طرأت على إدارة الأمم المتحدة لملف المساعدات الإنسانية التي بدأت مع استقالة مساعد الأمين العام البريطاني مارتن غريفيت، قد فتحت الباب أمام فريق آخر في الأمم المتحدة، يعمل مع الأمين العام أنطونيو غوتيريش، لكنه أقرب إلى التصور الإسرائيلي، وأقل حياداً. ويبدو أن الأساسيين في هذا الملف هم الفريق الذي تتزعمه منسّقة الأمم المتحدة لملف غزة سيغريد كاخ، والمنسّق الجديد في الضفة الغربية مهند الهادي، ومساعد منسّق الشؤون السياسية البلغاري ميروسلاف زافيروف. ويعمل هؤلاء على عدة خطوط داخل فلسطين وخارجها.

تلعب الإمارات والأردن دوراً بالتنسيق مع غسان عليان وسيغريد كاخ لفرض «أمر واقع» جديد تمهيداً لإطاحة حماس

 

وتظهر المداولات المجمعة لدى جهات معنيّة بالمفاوضات أن عمل هذه الجهات يقوم وفق الآتي:

أولاً، محاولة إقناع إسرائيل بأن تكون هناك مرحلة انتقالية في إدارة قطاع غزة، وأن يكون القطاع خلال هذه الفترة موضوعاً تحت وصاية الأمم المتحدة بناءً على قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي.

ثانياً، إقناع دول عربية وإسلامية بالعمل تحت راية الأمم المتحدة ضمن مشروع إعادة الإعمار، بما في ذلك الشق الأمني الخاص ببناء قوات شرطة جديدة في القطاع. وبينما كان الأتراك والقطريون والمصريون رافضين التورطَ في هذه المغامرة، فإن الإمارات العربية المتحدة والأردن يظهران استعداداً شرط الحصول على تغطية فلسطينية وغزاوية تمنع أي صدام مع حماس، فيما لم تتضح حقيقة الموقف السعودي أو موقف ماليزيا وإندونيسيا.

وبينما لم يُحسم النقاش أصلاً في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، فقد برز موقف وازن بالقرب من غوتيريش يدعو إلى عدم التورط في أمر سياسي، وأن الوصاية المؤقتة هي عملية سياسية – عسكرية – أمنية، وأنه من الأفضل أن تحصر الأمم المتحدة دورها في الشق الخدماتي. ويستند أصحاب هذا الرأي في موقفهم إلى أنهم يستبعدون أن توافق حماس على مثل هذه الخطوات، لأنها ترى فيها «احتلالاً مقنّعاً»، وهو أمر شديد الحساسية، وسيعرّض جميع من تعتبره حماس معادياً للخطر. ويلفت أصحاب وجهة النظر هذه، إلى أنه لا يمكن الركون إلى طلبات إسرائيل، بأن الحرب لم تهزم حماس عسكرياً، بل هي قادرة على القيام بكل شيء في القطاع. وهناك تجاهل لحقائق جديدة في غزة، حيث إن الجمهور الذي خسر الكثير جراء الجريمة الكبيرة لإسرائيل لن يوافق على احتلال جديد بعد كل هذه التضحيات.

لكنّ الفريق الذي تديره سيغريد كاخ يعتقد بأن هناك فرصة كبيرة وجدية لإعادة بناء الدور الإنساني للأمم المتحدة ومساعدة غزة في بناء إدارة جديدة بعيداً عن الانقسامات السياسية القائمة، وأن أهل غزة سيرحّبون بذلك لأنهم تعبوا من الحرب، وهم يريدون العودة إلى حياتهم الطبيعية وإعادة الإعمار، ويعرفون أن هذه مهمة كبيرة، تحتاج إلى استقرار حقيقي، علماً أن هذا الفريق يتبنّى طروحات إسرائيلية تقول إن حماس تخسر شعبياً، علماً أن هذا الفريق من الأمم المتحدة لا يبحث مع إسرائيل في تحسين آلية تعامل قوات الاحتلال مع منظمات الأمم المتحدة نفسها، ويعرف هؤلاء حجم العراقيل التي توضع يومياً من قبل الجانب الإسرائيلي، وصولاً إلى التضييق على العاملين، سواء أكانوا أجانبَ أم فلسطينيين.

من جانبها، تواصل حكومة أبو ظبي بالتعاون مع القيادي المنشقّ عن حركة فتح محمد الدحلان، وضع تصور لبرنامج عمل داخل قطاع غزة، يكون الملف الإنساني مدخلاً له. ونُقل عن الدحلان أن الإمارات وضعت في تصرفه موازنة بنحو مليار ونصف مليار دولار، وأنه يعدّ برنامجاً لإدارة استخدامها في مساعدة أبناء القطاع. وأجرى الدحلان اتصالات مباشرة أو بواسطة مساعده سمير مشهراوي مع قيادة حماس في الدوحة لهذا الغرض. وهو يريد التفاهم على «هيئة مستقلة»، وذلك رداً على تبلغه من حماس بأن هناك إطاراً عاماً يضم جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها فصائل منظمة التحرير، ولديها فرق تعمل في الخدمة المدنية والإنسانية. وتبيّن أن منسّق أنشطة العدو في المناطق المحتلة العميد غسان عليان زار الإمارات أكثر من أربع مرات منذ بدء الحرب، والتقى الدحلان ومسؤولين إماراتيين، وأن أبو ظبي تولّت تمويل المساعدات التي كان يُفترض بالممر البحري الأميركي توفيرها من قبرص إلى سكان غزة.

أما الأردن الذي يتولى جانباً من الاتصالات، فهو مهتم بأن يلعب دوراً مركزياً في برامج ما بعد الحرب في غزة. واتضح لمتابعين أن السلطات الأردنية تركّز على تولّي كل الملفات المتصلة بالقطاع الصحي، وقد عقدت مؤتمرات لهذه الغاية في عمان وبيروت، وتجري اتصالات مع عدد من الدول المانحة لتحقيق هذا الغرض، علماً أن السلطات الأردنية باتت تتحكّم بحركة الجرحى الذين يريدون مغادرة قطاع غزة عبر الضفة الغربية. وتبيّن أن عمان أوقفت منذ أسابيع منح تأشيرات لأبناء غزة. كما توقّف تنسيق السفر من القطاع عبر معبر كرم أبو سالم. لكنّ الأردن مستمر في توفير خط الإمداد البري لقوات الاحتلال لسدّ النقص الكبير الذي يواجهه كيان العدو بفعل الحظر الذي تفرضه حركة «أنصار الله» في اليمن على توجّه السفن إلى موانئ دولة الاحتلال.