فارس سعيد: على الرئيس الجديد تنفيذها أو إخضاعه للعقوبات
يستند المجتمع الدولي إلى القرار 1701 للتجديد لولاية قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان لسنة جديدة، أي حتّى آخر شهر آب 2023. وما أثار الجدل في هذا الموضوع الذي كان يعتبر روتينيًّا أنّ السلطات اللبنانيّة قد اقترحت نصّاً لقرار التمديد يشطب الفقرة التي تشير إلى مرجعيّة القرارين 1559 و 1680. فلماذا هذا الاستقتال في الالتفاف على القرارات الدّوليّة من قبل أهل الحكم اليوم؟ وما هو السبيل للمواجهة من قبل السياديّين؟
كيفيّة ولادة القرارات 1559 و 1701 و 1680
قبل الحديث عن هذه القرارات يجب العودة إلى كيفيّة ولادتها، لأنّ ظرف ولادة كلّ قرار تختلف عن الآخر بحسب الحيثيّات التي يحملها. للإستيضاح حول هذه المسألة كان لـ»نداء الوطن» حديث مع النائب السابق الدّكتور فارس سعيد رئيس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني، الذي صرّح بأنّ «الشرعية الدوليّة الممثلة بالقرارات 1559 و 1701 و 1680 التي صدرت ما بين العامين 2004 و 2007 وبعدها القرار 1757 الذي ينصّ على المحكمة الدوليّة تحت الفصل السابع. كلّ هذه القرارات لا يمكن أن تكون موجودة لولا وجود شرعيّة لبنانيّة اسمها الدستور اللبناني واتّفاق الطائف».
أمّا بالنسبة إلى القرار 1559 الذي صدر من قبل مجلس الأمن في 2 أيلول من العام 2004، فيميّز سعيد بينه وبين القرار 1701 لأنّه «انبثق من إرادة وطنيّة لبنانيّة». حيث يلفت سعيد إلى أنّه «في خضمّ الحرب الإسرائيليّة على لبنان في العام 2006 أصدرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حينها ورقة النقاط السبع التي حملها آنذاك الوزير طارق متري إلى بكركي وانعقدت حولها قمّة روحيّة، حقّقت إجماعاً وطنيّاً حول هذه النقاط السبع، حيث اعتبر المجتمعون وقتذاك أنّ هذه النقاط هي التي تنهي الحرب في لبنان. فتوجّه وفد يحملها إلى روما حيث تبنّت معظم الدّول العربيّة والأوروبيّة ورقة النقاط السبع حتّى تحوّلت بعدها إلى قرار دولي تحت الرقم 1701 في مجلس الأمن».
ويرى سعيد أنّ «اتّفاق الطائف والدّستور اللبناني يشكّلان القاعدة الدّستوريّة، أيّ الشرعيّة اللبنانيّة التي بنت على أساسها الشرعيّة الدوليّة قراراتها والتي تتكامل معها. فإذا أسقطنا الشرعيّة اللبنانيّة والدّستور واتّفاق الطائف نكون نهدّد بإسقاط قرارات الشرعيّة الدوليّة».
خطورة الانقلاب على القرارات الدوليّة من بوابة الدستور اللبناني
ومع كثرة الحديث عن المؤتمرات التأسيسيّة للبنان نتيجة الأزمة السياسيّة التي نجح بافتعالها دويتّو المنظومة الفاسدة والمنظّمة المسلّحة، يلفت سعيد إلى «ضرورة التنبّه لهذه المسألة لا سيّما عندما يستسهل بعضهم الحديث عن أزمة نظام وتجاوز اتّفاق الطائف وإعادة النّظر به وبالدّستور اللبناني». فبالنسبة إلى سعيد أيّ تلاعب بالدّستور اللبناني وبوثيقة الوفاق الوطني التي تسجلت في الأمم المتّحدة في العام 1989، أيّ تلاعب بهذين النّصّين المرجعيّين يعني «تلاعباً بالنصوص المرجعيّة التي تكاملت معهما والتي تتمثّل بالقرارات الدوليّة الثلاثة».
لكنّ سعيد برغم اهميّة انضواء لبنان في العائلة الدّوليّة إلّا أنّه يرى «قبل الذهاب إلى الأمم المتّحدة والمطالبة بتنفيذ هذه القرارات، يجب المطالبة داخليّاً بتنفيذ الدّستور اللبناني الذي يتحدّث عن بسط سيادة الدّولة على كامل التراب اللبناني، كي لا تكون هناك أيّ بندقيّة خارج بندقيّة الجيش والقوى الأمنيّة والعسكريّة اللبنانية». لكنّ هذا الطرح قد يبدو يوتوبيّاً بعض الشيء لأنّ القرار السياسي الذي يوجّه المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة والقرار الحكومي مهيمَن عليه من قبل فريق الحكم. وبالتّالي من المستبعد أن يطلق النّار على قدميه.
القرار 1701 يجرّم «حزب الله» ويفرض المحادثات اللبنانية – الإسرائيليّة
في تلك المرحلة، هذه الحكومة التي أعدّت النقاط السبع وذهبت إلى بكركي ومنها إلى روما وبعدها إلى مجلس الأمن كان «حزب الله» مشاركاً فيها عبر الوزير محمّد فنيش. ويستنتج سعيد «عمليّاً، بغضّ النظر عن «هوبرات حزب الله»، هو كان يطالب حكومة السنيورة حتّى حدود الترجي بابتكار أيّ شيء لإيقاف الحرب المدمّرة. يعني أنّه وافق على القرار 1701 الذي ينصّ ببدايته على أنّ الحرب قد بدأت من لبنان وبالتحديد من قبل «حزب الله» في مزارع شبعا». ويتابع: «أي أنّ الوزير محمّد فنيش الوزير في حكومة الرئيس السنيورة قد اعترف أنّ حزبه قد اعتدى وتجاوز الخطّ الأزرق في مزارع شبعا».
وبرغم ما لحظه سعيد، نشير إلى انّ البند العاشر من القرار 1701 يتضمّن ضرورة اجتماع الحكومة اللبنانيّة مع الحكومة الإسرائيليّة تحت إشراف الأمم المتّحدة لحلّ الأزمات العالقة. ويتابع سعيد في هذا الصدد قائلاً: «من 14 آب 2006 تاريخ صدور القرار 1701 حتّى اليوم نحن لم نتوصّل إلى وقف إطلاق نار، بل ما زلنا في مرحلة وقف الإعتداءات من قبل الطرفين. ولم نستطع بعد حتّى هذه الساعة ملامسة البند العاشر من القرار المذكور الذي يقول باجتماع الحكومتين بإشراف الأمم المتّحدة».
أمّا بالنسبة إلى القرار 1680 الذي يتحدّث عن ترسيم الحدود البريّة مع سوريا ونشر الجيش اللبناني على الحدود الشماليّة والشرقيّة، فيستغرب سعيد «كيف لا أحد يتكلّم عنه برغم أنّه بأهميّة القرارين 1559 و 1701»، ويستغرب أيضاً «لماذا لم يتمّ إنشاء لوبي سياسي ونيابي حول تنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة وقبلها تنفيذ الدّستور ووثيقة الوفاق الوطني».
المواجهة السياديّة بتنفيذ الدّستور أوّلاً
ويردف سعيد في إضاءة على ملفّ انتخابات رئاسة الجمهوريّة، فبالنسبة إليه «نحن بلحظة حرجة والأهمّ من اسم الرئيس هو ما الذي سيقدم عليه هذا الرئيس». ويختم محدّداً مهام الرئيس المقبل كالآتي: «استكمال تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني والدّستور اللبناني». ومهام القوى الدوليّة والعربيّة: «إصدار بيان تلزم هذا الرئيس بتنفيذ الطائف والدّستور وقرارات الشرعيّة الدوليّة، مع الإشارة إلى أنّ هذه المسألة كان من المفترَض العمل عليها قبل الانتخابات الرئاسيّة. أمّا إذا الرئيس المقبل لم ينفّذ فيتمّ وضع عقوبات مباشرة عليه، وعندها لا يعود مهمّاً مَن هو الرئيس القادم».
في المحصّلة، لا يمكن للبنان أن يستمرّ بتفلّته من المظلّة الدوليّة. وآخر هذه الإبداعات محاولة أهل السلطة الإلتفاف على قرارات الشرعيّة الدوليّة. ولعلّ هذه الإستماتة هي للمزيد من تثبيت لبنان في المحور الإيراني، ولتأمين الغطاء الشرعي والدّستوري والدّائم لهذه المنظومة الفاسدة بالإستمرار بسيطرتها، كذلك لتأمين السيطرة التامّة لمنظمة «حزب الله» على كامل الشرعيّة اللبنانيّة. لذلك، لا يمكن لأيّ رئيس للجمهوريّة أن يتوافق مع هذه الحالة الخارجة عن القانون والشرعيّة. من هنا، ضرورة أن يكون الرئيس العتيد رئيساً منقذاً ومواجِهاً. ماذا وإلا؟ حذارِ قد يكون الغرق عندها أعمق من لجّة الموت.