التوضيحات التي صدرت عن أطراف أمميّة ودولية حول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشأن تجنيس النازحين السوريين، هذه التوضيحات أكدت على المؤكد وبقيت عاجزة عن إثارة أي مفهوم إيجابي في مسار هذه الأزمة التي لم يفتعلها السيّد مون إنما أعادها الى الأضواء مرة جديدة… مضيفاً الى الهواجس اللبنانية الجدّية والمبرّرة هواجس إضافية هي أيضاً جدّية ومبرّرة.
فلا الكلام المنسوب الى أحد مستشاري بان كي مون، ولا كلام السيدة كاغ من بيروت ولا أيضاً كلام القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز أسهم في تخفيف المواقف اللبنانية التي عبّرت عنها الحكومة مجتمعة في جلسة يوم أول من أمس الخميس.
فماذا يعني أن يقول مستشار مون إنّ الأمين العام لم يذكر لبنان بالإسم في كلامه على تجنيس النازحين السوريين في البلدان التي نزحوا إليها؟ والجواب على هذا التوضيح الأخرق هو منه وفيه. ذلك أن مون لم يذكر اسم أي بلد آخر، وليس انه لم يذكر إسم لبنان وحده. أي ان الرجل لم يذكر أسماء البلدان التي تستضيف النازحين السوريين ليستثني منها لبنان. بل جاء كلام الأمين العام شاملاً وبوضوح كلّي.
وفي إطار مشابه قالت ممثلة مون في لبنان، السيدة كاغ إن التقرير لم يذكر لبنان. كيف؟ وما هي البلدان التي قصدها؟
وأما كلام السفير جونز ففيه الكثير من الإستهزاء باللبنانيين وعقولهم والضحك عليهم. فهو الذي قدّر ظروف لبنان ووضعه فقال انه إذا تعذرت عودة النازحين فـ»يجب» نقلهم الى بلدان أخرى!
جميل جداً هذا الكلام. وأجمل ما فيه فعل الوجوب… »يجب» (يقول جونز). والسؤال البسيط والساذج: كيف ينفذ هذا الوجوب؟ ومن هي الجهة التي تنفذه؟ وعلى أي قاعدة؟ وبموجب أي ميثاق أممي أو دولي؟ وما هي البلدان الأخرى التي »يجب» نقلهم إليها؟ وما هو البلد الذي يستعد لإستقبال نحو مليونين من النازحين السوريين الى لبنان؟
إن قضية النازحين السوريين »ملغومة» من أساسها. ولا نريد أن نتبنى نظرية المؤامرة لنقول إن تجنيسهم هو قرار دولي متخذ منذ ما قبل نزوحهم مع أن لدينا حقاً مشروعاً بقول ذلك في ضوء وقائع هذه القضية من ألفها الى يائها.
وهذا القرار مفروض على النازحين السوريين الذين لا حول لهم ولا طول، والذين هم موجودون في لبنان وفي سواه من بلدان المنطقة جراء الوضع الامني، وبسبب السياسة الدولية الجانية، وبالذات الولايات المتحدة الاميركية التي يسود الالتباس والذبذبة موقفها من الازمة السورية منذ اليوم الاول لنشوب الاحداث الدامية والمروعة في هذا البلد الشقيق.
ولو كان العالم بزعامة الولاية المتحدة الأميركية و»بشرعية» الأمم المتحدة… لو كان جاداً في حل، أيّما حل، غير التجنيس، للنازحين السوريين لكان عمل فعلاً على إقامة منطقتين آمنتين للنازحين داخل سوريا: واحدة لأنصار النظام والثانية لمعارضيه.
وعلى فوقة: لماذا لا يعود النازحون السوريون الى المناطق الآمنة التي يسيطر عليها النظام، وتلك المماثلة الواقعة تحت سيطرة المعارضة، اي كل فريق الى الجهة التي ينتمي اليها؟
أو أن لبنان يصح فيه المثل المأثور: »استضعفوك فوصفوك»؟!