تبدي اوساط ضليعة في قراءة المجريات وعلامات الازمنة خشيتها من مخطط لاعادة تشكيل لبنان ديموغرافياً يطبخ في الخفاء وعلى خلفية «اننا لم نبلغ سن الرشد» وفق توصيف الرئيس الراحل الياس الهراوي لواقع الحال في مطلع عهده. وربما يفسّر الامر الشغور الرئاسي والشلل في مجلس الوزراء ناهيك بمجلس النواب الذي يسعى الى تحريكه الرئيس نبيه بري تحت شعار «تشريع الضرورة»، اضافة الى الفساد المستشري في معظم ادارات الدولة وربما ملف الاختلاسات في قوى المن الداخلي الذي احيل الى القضاء غيض من فيض، وكشف شبكة دعارة تعمل منذ اعوام في تجارة الرقيق وليس بعيداً عن اعين المعنيين وفق اتهامات رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
وتضيف الاوساط انه في ظل هذا الاهتراء في مفاصل الدولة، والانقسامات الحادة بين مكونات الساحة المحلية اغرقت الحرائق السورية البلد من ادناه الى اقصاه بطوفان من النزوح مرشح لان يكون الصاعق الذي سيطيح الكيان والكينونة كون هذا الملف موضع تجاذبات على الحلبة المحلية، فاذا كانت بعض المكونات اللبنانية ترتاح للنزوح السوري على خلفية مذهبية محضة، فان مكونات اخرى تقلق من ذلك لا سيما ان زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى بيروت والتي قاطعها وزير الخارجية جبران باسيل لاطلاعه على المستور في عظائم الامور، حملت في طياتها ارادة اممية لتوطين النازحين السوريين في الدول التي لجأوا اليها، وربما كلامه عن توطين نصف مليون نازح سوري في اوروبا دليل على خطورة ما يعد للبنان الحلقة الاضعف في لعبة الامم.
وتشير الاوساط الى ان الاهتراء في مفاصل الدولة يساهم بشكل فعال في تمرير مخطط توطين السوريين الذين لجأوا الى لبنان في وقت احسنت فيه تركيا استثمار المصائب السورية للقيام بابتزاز اوروبا واغراقها بموجات من النازحين السوريين الى حد اجبرتها على دفع 3 مليارات دولار في سبيل ايقاف ذلك وفق اتفاق فرضت فيه انقرة شروطها على دول الاتحاد الاوروبي ومنها الغاء تأشيرات الدخول للاتراك على دول «شينغن» بعد شهر تقريباً اضافة الى فتح النافذة حول امكانية دخول تركيا نادي الاتحاد الاوروبي، مقابل استقبال تركيا للنازحين الذين تتم اعادتهم اليها من اليونان.
وتقول الاوساط ان الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في 16 الجاري تصب في خانة توطين النازحين السوريين في لبنان منعاً لرحيلهم الى اوروبا، وسبق لوزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ان زار بيروت للهدف نفسه، وما يثير الريبة حول المخطط المذكور اصرار الموفد الاممي الخاص الى سوريا على استعمال عبارة «العودة الطوعية» للنازحين علماً أن رفض وزير الخارجية اللبناني لذلك ادى الى استبدالها بـ«العودة الآمنة» ما يؤكد ان توطين النازحين لم يعد سراً من الاسرار بل هدفاً يسعى الامين العام للامم المتحدة الى تحقيقه، وهذا احد اكبر الاخطار على الكيان اللبناني لا سيما ان معظم النازحين السوريين من المعارضين ويشكلون بيئة حاضنة لـ«داعش» و«النصرة» بحيث لا يمر يوم الا وتقوم فيه الاجهزة الامنية باعتقال مشبوهين في صفوفهم بتهمة الانتماء الى منظمات ارهابية، ولعل المضحك ـ المبكي مواقف المسؤولين اللبنانيين الذين يبالغون في الاطمئنان حول مسألة النزوح السوري، حيث يشكل هؤلاء مع اللاجئين الفلسطينيين نسبة تتعدى الخمسين في المئة من المقيمين على الارض اللبنانية، فمن يضمن عودة السوريين اذا تواصل افرقاء النزاع على الحلبة السورية الى سوريا؟ علماً أن المعادلات التي اطاحتها «عاصفة السوخوي» اوجدت مناطق سورية آمنة باستطاعة النازحين العودة اليها، فلماذا تركز الامم المتحدة على توطينهم خارج بلادهم وما هو هدف اسرائىل من ذلك كونها الرابح الوحيد في لعبة الامم؟