مجلس الأمن الدولي المنقسم حول مسائل وأزمات كثيرة موحّد في النظرة إلى لبنان حسب بيانه الأخير. لكنّه يقرأ مزاميره على سلطة لا تسمع، وإذا سمعت فلا تصغي، وإذا أصغت تطنش ولا تتحرك. سلطة لا تملك خطة حقيقية لإنقاذ البلد من الكوارث التي صنعتها، وليست مصمّمة على إنقاذه ولو امتلكت خطة. مجلس الأمن يقدم خريطة طريق شاملة للإنقاذ. غير أنه يطلب من المافيا الحاكمة والمتحكمة به إنقاذه من نفسها.
ذلك أن الإصلاحات المطلوبة داخلياً وخارجياً منذ سنوات والتي هي المحطة الإجبارية على طريق الإنقاذ والواردة في البيانات الوزارية إصطدمت بمصالح المافيا السياسية والمالية والميليشياوية وحرصها على استمرار الهدر والفساد والسطو على المال العام والخاص. وإكمال تطبيق القرارين 1559و1701 لجهة سيادة الدولة وحيازتها وحدها السلاح هو مهمة مستحيلة. فلا “حزب الله” يقبل نزع سلاحه الذي له دور إقليمي يتجاوز قصة مزارع شبعا ومواجهة أطماع العدو الإسرائيلي وحتى تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي. ولا “احتواء” السلاح في إطار استراتيجية دفاعية ممكن. لا مجلس الأمن قادر على تطبيق قراراته. ولا السلطة تريد أو تستطيع ولو أرادت تحييد لبنان وتطبيق “إعلان بعبدا”. فرئاسة الجمهورية على تفاهم مع “حزب الله”. ورئاسة المجلس النيابي شريكته في “الثنائية الشيعية”، ورئاسة الحكومة أسيرة حسابات معقدة ومواقف الرئاستين و”حزب الله”.
حتى التفاوض مع صندوق النقد الدولي لبدء التعافي المالي والإقتصادي، فإنه في مأزق من صنعنا. أولاً لجهة النواقص والسلبيات في البرنامج والموازنة وتوزيع الخسائر. وثانياً لجهة التحفظات التي يعلنها “حزب الله”سلفاً على “برنامج” الصندوق واستمرار الإعتماد على الغرب بدل “التوجه شرقاً”. وثالثاً لجهة الإنطباع الواضح لدى مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا المتحمسة لمساعدة لبنان، وهو أنه “لا يوجد، على رغم الظروف الصعبة للغاية التي يعيشها لبنان، إلتزام قوي من السلطات بتغيير مسار البلاد. وستستمرّ معاناة الشعب اللبناني”.
وفوق ذلك، تبدو السلطة غائبة عن الحد الأدنى من التعاطف مع ضحاياها اللبنانيين. فالمغرب، ملكاً وشعباً، بذل المستحيل لإنقاذ الطفل “ريان” الذي وقع في بئر عميقة. وقصة الطفل كما نهايته المأسوية كشفتا أن العالم لا يزال يختزن الكثير من الشعور الإنساني، وسط وحشية السياسات والحروب والإحتكارات. أما استشهاد المئات وجرح الآلاف وتهدم نصف بيروت في انفجار المرفأ، فإنها لم تدفع أي مسؤول كبير إلى النزول على الأرض لمواساة الضحايا. لا بل إن ما تعمل له المافيا هو منع الوصول إلى الحقيقة في الجريمة الكبرى.
يقول الرئيس فرانكلين روزفلت الذي أنقذ أميركا من “الكساد الكبير” إن “العلاج الإقتصادي يجب أن يبدأ بقتل البكتيريا في النظام أكثر من معالجة المظاهر السطحية”. لكن المشكلة في لبنان أن البكتيريا في النظام هي الثابتة والبقية متغيرة.