هل فعلاً لا يريد “حزب الله” حكومة، ولماذا؟ وماذا عن النظرية السابقة التي كانت تقول انّ الحزب في حاجة الى حكومة قبل العقوبات الأميركية على طهران، وأين أصبحت؟ وهل تؤلّف الحكومة فوراً في حال موافقة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تضمين حصته الوزارية سنيّاً من 8 آذار، أم تظهر عقدة جديدة؟
هل صحيح انّ “حزب الله” يخوض معركة منع رئيس الجمهورية من الحصول على الثلث المعطّل، ولماذا؟ لماذا لا يريد عون سنيّاً من 8 آذار؟ ولماذا تدرّج موقف الرئيس المكلف سعد الحريري من عدم الاكتراث بتمثيل سنّة 8 آذار من حصة “حزب الله” أو رئيس الجمهورية إلى الرفض المطلق لتمثيلهم في الحكومة؟ هل صحيح ان الدرزي الثالث هو من حصة رئيس الجمهورية؟ ولماذا لم يجاهر “حزب الله” بتمسّكه بتوزير هذا المكوّن منذ اللحظة الأولى وفاجأ الجميع بموقفه في الساعات الأخيرة قبل ولادة الحكومة؟ ولماذا تخلى عون عن حياديته وتبنّى موقف الحريري بكامله، والذي أدى إلى تصليب موقف الرئيس المكلف؟
أليس من مصلحة “حزب الله” تشكيل حكومة في مرحلة عقوبات عليه وعلى طهران؟ أليس من مصلحته الحفاظ على صورته كقوة استقرار لا تعطيل في اللحظة التي ينتظره فيها البعض على كَبوة؟ أليس من مصلحته الحفاظ على الاستقرار والانتظام والابتعاد عن الانقسام الوطني والمذهبي؟ وهل الأجندة الإيرانية تقدمت على أجندة “حزب الله” اللبنانية؟ ومن قال انّ طهران تريد الفوضى في لبنان؟ ومن قال انها لا تستطيع تسخين الوضع اللبناني بغية توجيه الرسائل، في حال أرادت ذلك، في ظل وجود حكومة؟
وماذا يفيد الحزب ان يتحوّل في نظر اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي مُعرقلاً لولادة الحكومة؟ وهل يراهن الحزب مثلاً على تطورات إقليمية يعمل على ترجمتها بغية تغيير موازين القوى داخل الحكومة لمصلحته بنحو كامل وحاسم؟ ومن قال انّ التطورات في المنطقة مسألة أيام وأسابيع وحتى أشهر؟
ماذا يحصل على خط بعبدا- “حزب الله”؟ ولماذا انتقد عون “حزب الله” في الإعلام ولم يوصل رسائله بالقنوات المعتادة؟ وهل من خلاف بين الطرفين لم تظهر كل معالمه بعد على الإعلام؟ وهل الحزب غير مطمئن لحركة الوزير جبران باسيل ويملك معطيات تدفعه الى اتخاذ احتياطاته؟ وهل يخشى الحزب من العلاقة بين عون والحريري؟
وما الأسباب التي تجعل الرئيس نبيه بري ينأى بنفسه عمليّاً عن الأزمات الحكومية المتتالية ويركِّز على ضرورة التأليف السريع خشية من الأوضاع الاقتصادية المتهالكة؟ وما الأسباب التي دفعت البطريرك الماروني بشارة الراعي الى الدخول بقوة على خط الأزمة الحكومية منتقداً “حزب الله” من القصر الجمهوري؟
إنطلاقاً من كل هذه التساؤلات لا يمكن القول انّ ثمة إجابات واضحة باستثناء اللجوء إلى التخمين السياسي، وفي هذا السياق يمكن التوقف أمام الآتي:
ـ أولاً، يفضّل “حزب الله” عدم تأليف حكومة، وكان يراهن على استحالة حل العقدة الدرزية ومن ثم المسيحية، ولم يقم بأي دور من أجل حلحلة هذه العقدة او تلك، أو حتى بقي على الحياد ولم يساند باسيل في موقفه من تمثيل “القوات”، وعندما حلّت العقدة الأولى والثانية لم يجد أمامه سوى افتعال العقدة السنية التي لم تكن مطروحة جدياً، وبما انه مبدئياً لم يعد في إمكانه التراجع، فوجَدها مناسبة للتمسّك بتمثيل هذه الشريحة التي تشكل اختراقاً جوهرياً بالنسبة إليه، فإنه لن يمانع في الوصول إلى اي حلّ لهذه العقدة عن طريق رئيس الجمهورية وبما يؤدي إلى ولادة فورية للحكومة.
ولو تمسّك “حزب الله”، مثلاً، بتمثيل المكون السنّي من حصة الرئيس المكلف فيعني انه لا يريد حكومة، كونه يدرك انّ كسر الحريري غير ممكن، ولكن هل يراهن على رفض رئيس الجمهورية من أجل استمرار الفراغ.
ـ ثانياً، تبدية “حزب الله” عدم تأليف حكومة يعود، ربما، إلى انّ اي عقوبات إضافية عليه تُحرجه وتحرج الحكومة العتيدة، فيما الفراغ يعفيه من الضغوط الرسمية عليه الناتجة أساساً من ضغوط دولية. وفي موازاة ذلك لا يستطيع ان يتحمّل أمام الشعب اللبناني حرمانه من مساعدات طبية ومالية بسبب وجود الحزب في الحكومة، واستطراداً في وزارة الصحة، كما انّ الحزب لا يستطيع مادياً ومعنوياً ان يكون خارج الحكومة كونه سيصوّر بأنه رضخ للإرادة الخارجية.
ـ ثالثاً، يريد “حزب الله” أن يتجنّب الوصول إلى فراغ رئاسي وان تُدار شؤون الحكومة بين الحريري كرئيس حكومة وباسيل كفريق يملك الثلث المعطّل، او انه لا يريد بكل بساطة ان يتحكّم فريق أوحَد بالثلث المعطّل، او ان يتحكم عون والحريري بالنصف زائداً واحداً في الحكومة.
ـ رابعاً، يريد “حزب الله” بكل بساطة أن يتمسّك بحليفه السني لأسباب استراتيجية تتعلق بتمثيله العابر للطوائف، وان يوجّه في الوقت نفسه رسالة الى الوزير والنائب طلال ارسلان انه لو لم يَتمايَز عنه ويضع أوراقه عند باسيل لكان اليوم وزيراً في الحكومة.
في مطلق الحالات، لا حكومة مبدئياً سوى في حالتين: تمثيل المكوّن السنّي من حصة رئيس الجمهورية، لأنّ الحريري لا يمكنه التراجع، فيما بإمكان عون توفير المخرج باستبدال السنّي المستقل بسنّي 8 آذاري، أو دعوة “حزب الله” الشخصيات السنية المعارضة إلى التعالي عن “مطلبها المُحقّ” وانه كفيل بتعويضها لاحقاً.