Site icon IMLebanon

عدم اليقين وجدوى الوحدة الأوروبية

وسط إشارات الى أنّ تصويت بريطانيا على ترك الاتحاد الاوروبي لم يؤثر بشكل مباشر عليها، جاء قرار المركزي الأوروبي وتركه لأسعار الفوائد على حالها ومن دون أيّ تغيير ليبقي البابَ مفتوحاً أمام مزيد من التخفيضات في الأشهر المقبلة وفاتحاً المجال لمزيد من عمليات التيسير الكمّي.

وجاء تصريح دراغي الأخير وكونه على استعداد لضخّ المزيد من الحوافز الاقتصادية وسط ركود لا سابقة له ونسب تضخم اقل من المرجو مدعاة للتساؤل عما إذا كانت هذه السياسات غير التقليدية شكلت حافزاً ولو بسيطاً وعما إذا كان قرار بريطانيا بترك الاتحاد عملية ناجحة قد تلقي مفاعيلها في القريب. هذا وخفّض البنك المركزي الأوروبي توقعاته للنموّ الاقتصادي في العام المقبل والعام ٢٠١٨ كذلك نسب التضخم للسنتين المقبلتين.

ويقول الاقتصاديون إنّ البنك يتحرّك ببطء بسبب اسعار فوائد منخفضة وحدود السياسة النقدية التقليدية – لذلك قد يكون إطلاق العنان للسياسات غير التقليدية ولغاية الآن أن يأتي بثماره لا سيما وأنّ هذه السياسة غير التقليدية طالت أموراً عدة منها:

١- اسعار فوائد سلبية على الودائع ما يعني عملياً إلزام المصارف في التطلّع الى عدم تخزين المال مع الصرف المركزي.

٢- سياسة التيسير الكمي والتي ضخت اموالاً هائلة لتشجيع الشركات والافراد على الاقتراض.

وقد تكون هذه السياسة ساعدت في تخفيض سعر صرف اليورو ما يشجّع الصادرات التي ستبدو ارخص مقارنة بالدول المنافسة.

واذا كانت هناك حاجة لاتخاذ مزيد من الاجراءات يمكن للمركزي المضي في شراء الاسهم والسندات كما يمكنه تقديم «اموال مروحية» Helicopter money مباشرة الى الأسر المعيشية من اجل زيادة الانفاق وهذا قد يتطلب بعض الوقت لا سيما تحضير الرأي العام لمثل هكذا خطوات في ظل معدل بطالة فوق مستوى الـ ١٠ بالمئة وإنفاق أُسَر مقيد وطلب ضعيف وكونه يتوجب على الحكومات الإنفاق اكثر في ظلّ هكذا معطيات.

وإذا كانت هذه السياسات التي يقوم بها المركزي تهيّئ الظروف لمزيد من النموّ والاستثمار لكنها ببساطة لا تجبر الناس على ذلك وقد يكون السؤال هنا: ما هو الدور الذي ينبغي أن تضطلع اليه الحكومات وكيف لللسياسات المالية أن تدعم الانتعاش الاقتصادي- هذا وفي إشارة الى أنّ الظروف والمعطيات والتغيّرات باتت استثنائية وأنّ الوقت بالواقع قد تغيّر فلا بد من لفت النظر هنا الى التغيّرات التي أصابت كتلة تسيطر عليها ألمانيا والتي طالبت دوماً بميزانيات متوازنة مع إمكانية خفض الضرائب بعد الانتخابات في خريف عام ٢٠١٧ عقب سلسلة من البيانات الاقتصادية والتي تشير الى صورة قاتمة للصناعة التحويلية الألمانية، أضف الى ذلك قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الاوروبي والذي من شأنه أن يحدّ من احتمالات النموّ في المانيا في الاشهر المقبلة والذي قد يكلف المانيا ٠،٣ بالمئة من معدل نموِّها للسنة المقبلة.

لذلك قد يكون المركزي الاوروبي متباطئاً بعض الشيء ويفضل الانتظار الى ما بعد الاستفتاء المصيري في أحد اقتصادات منطقة اليورو ونعني هنا ايطاليا كذلك الانتخابات الرئاسية الأميركية لاتخاذ أيّ قرار (حسب المحلّلين الاقتصاديين) لكنّ ذلك لم يمنع أصوات الاستياء من البنك المركزي الأوروبي لا سيما من قبل المدّخرين الألمان ومستثمري السندات والمصرفيين والذين يشكون من معدلات سلبية والتي زادت الادخار ولم تنفع استثمار شركات كما أنها أساءت الى خطط النقاعد:

كلّ هذه الأمور والصورة غير واضحة بعد عن مدى تأثير الـ Brexit على الاتحاد الاوروبي ككل ولم يتخذ المركزي أيّ تدابير مباشرة لمعالجة الشواغل الناشئة عن الـ Brexit – كذلك فإن العواقب المحتملة من رحيل بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي ليست واضحة علماً أنّ الامور لا تزال عالقة وغير نهائية لا سيما وأنّ

١- التجارة مع بريطانيا قد تتأثر تبعاً لأحكام الاتفاق النهائي بين لندن وبروكسل وانخفاض قيمة الجنيه زاد من قدرة انكلترا على المنافسة بينما المنتجات الأوروبية أغلى في بريطانيا،

٢- الشركات بما في ذلك صناعة الخدمات المالية يمكنها أن تترك بريطانيا من أجل ضمان استمرار الوصول الى منطقة اليورو.

لذلك قد يكون قرار المركزي الاوروبي حالياً غير كامل وبانتظار تغييرات قد تحدث لاحقاً وقد يكون دراغي وقوله الشهير «سنفعل كلّ ما يلزم» قد بات دون معنى إذ إنه وفي حديثه الاخير استهدف المانيا بتوبيخ غير مباشر منتقداً برلين لعدم زيادة الانفاق من اجل دعم الاقتصاد وحثّ الحكومات الباقية على مساعدة المركزي وزيادة الإنفاق.

وللعلم كان دراغي واضحاً تماماً في وصف حدود السياسة النقدية على حساب إثارة المخاوف بشأن قدرة البنوك المركزية وحدها على المساهمة في استقرار الأسواق. ويبقى القول إنه كان متفائلاً بأسعار الفوائد الصفرية وقوله إنها كانت فاعلة خلال السنة الماضية-

هذا في العلن، أما الواقع وعلى ما يبدو مازال على حاله وأوروبا تتخبّط في انكماشها وتضخّمها البطيء وبطالتها المتزايدة، أضف الى ذلك عنصر عدم اليقين لما سوف يحصل في القريب.

وهناك أمور عدة قد تكون مهمة في تلكّؤ المركزي الاوروبي لا سيما توقيت رفع سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيديرالي ومحاولة اليابان تمرير الحوافز الاقتصادية من البنك المركزي الى الحكومة، الأمر الذي دعا المركزي الاوروبي للتكلم وبقوة عن مخاطر الاعتماد المفرط على السياسة النقدية وتصاعد المعارضة الألمانيا لهذه السياسة.

وبالمطلق أوروبا ليست بوضعية مريحة تتيح لها التحكّم بسياساتها النقدية والـ Brexit لا يزال يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والتوقعات، وألمانيا تعارض سياسات المركزي الاوروبي بشكل واضح ودراغي بات غير مقتنع فعلياً بما يقوله بعد اجتماعات المركزي الاوروبي ما يعني أنّ اوروبا دخلت في فترة عدم يقين وتجاذبات واستفتاءات قد شجّع العديد من دولها الى إعادة حساباتهم في جدوى الوحدة الأوروبية.