متفق عليه ان استخدام الرئيس ميشال عون لصلاحياته الدستورية بتأجيل الجلسة التشريعية المعنية بتمرير التمديد الثالث لمجلس النواب، خطوة انقاذية، ليس أدرى بأهميتها أكثر ممن واكبوا اتصالات اللحظات الأخيرة، ووقفوا على أخطار ما كان مقدرا، ان يبلغه التحدّي المتبادل بين أهل السلطة بعد الانجرار هبوطا الى الشارع.
وواضحة مشاركة الرئيس سعد الحريري في تحضير الأجواء لهذه الخطوة، وفي اعطائها فرصة الصيرورة من خلال توقيعه الالزامي عليها، الى جانب توقيع الرئيس ميشال عون، فضلا عن استجابة الرئيس نبيه بري.
وربّ قائل ان ما حصل كان تأجيلا لحل المشكلة المتعلقة بقانون الانتخاب، وليس حلا لها، بدليل العودة التلقائية الى الدوامة في منتصف أيار المقبل!
وثمة قول آخر يتناول المستجد من الاتصالات الواعدة بامكانية التوصل الى قانون انتخابات، خلال استراحة الشهر التي بدأت أمس، وأصحاب هذا القول هم في الحقيقة عاتبون، وليسوا معترضين. وعتبهم مبرر، فهل كان لزاما ايصال البلد الى حافة الانقسام الذي وصلت اليه مساء الأربعاء ١٢ نيسان، لتتدخل المادة الدستورية رقم ٥٧، وتطيّر جلسة التمديد، وبالتالي تفتح الباب أمام مساع أكثر جدّية، باتجاه قانون الانتخاب؟
وهل كان محتما اشاعة مناخ الفرز الطائفي، عبر بعض الصيغ النافرة لقانون الانتخابات، الشبيهة من الفصل العنصري الذي كان سائدا في بعض البلدان الأفريقية، والذي لا زال الفلسطينيون يعانون مثيله على يد الاحتلال الاسرائيلي؟
والفرز بلغة العقاريين عادة ما يكون مقدمة للضمّ، لكن لا ملمح ولا مؤشر على نيّة العودة للضمّ والجمع، في مختلف الصيغ المطروحة، حتى اليوم!
والمؤسف ان الفرقاء الذين تجنّبوا لسنوات إعداد قانون جديد للانتخابات وجدوا أنفسهم امام حتمية وجود هذا القانون، ولما فشلوا في تنظيم عملية التقاسم رموا بالأزمة الى الشارع، ليعلنوا الحرب على أنفسهم، كونهم هم السلطة بالنتيجة، السلطة في الحكومة والسلطة في مجلس النواب!
وقد حاول أكثر من طرف، النحي باللائمة على النائب نقولا فتوش، صاحب اقتراحات القوانين التمديدية الثلاثة، فيما واقع الحال يظهر ان فتوش أصدق من الآخرين مع نفسه على الأقل، بل أجرؤهم، وهو لو لم يبادر، لكن على أحدهم من خطه السياسي، أن يبادر، بينما يكتفي الآخرون بلعن القانون، فيما أيديهم مرفوعة تأييدا له…
وما لا يتنبّه اليه راجمو اقتراح التمديد، ان التمديد سيحصل، ولكن بعد اقرار قانون الانتخابات، أو الاتفاق على خطوطه العريضة، كما قيل، غير ان مناخ التحدّي السياسي المتبادل هو الذي جرّ الجميع الى الحافة.
وفي معلومات المصادر المتابعة، ان التحدّي جعل البعض يفضّل الفراغ على التمديد والتمديد على النسبية الكاملة والنسبية الكاملة على المختلط، لكن ما ساهم في اعادة الوعي الى الرؤوس، والسكينة الى النفوس، هو ما تناهى للمعنيين من أفكار ومشاريع تتناول الوضع الحكومي برمته، حال وقوع المحظور بفراغ السلطة التشريعية، عبر العودة الى سابقة، كان مجرد التفكير بها كافيا لاقناع مختلف الأطراف بالرجوع الى الذات، ومن ثم الصعود في مركب المادة الدستورية رقم ٥٧، ومن اليوم وحتى ١٥ أيار، يخلق الله ما لا تعلمون…