IMLebanon

«مهادنة» عونية مفاجئة، اين العبرة؟

بين ليلةٍ وضُحاها، تغيّر الخطاب «العوني» بشكلٍ مفاجئٍ ولافتٍ للنظر، ممهّدًا الطريق أمام فتح أبواب السراي ومجلس النواب بعد فترةٍ طويلةٍ من «الإقفال القسري».

هكذا، لم يعد هناك «فيتو عوني» على «تشريع الضرورة»، وأضحى انعقاد الجلسة التشريعية التي «يجاهد» رئيس المجلس النيابي نبيه بري في سبيل تأمين ميثاقيّتها منذ أشهرٍ طويلة، أمرًا ممكنًا وبغطاءٍ كاملٍ من «التيّار الوطني الحر». أكثر من ذلك، خرجت بعض «الاجتهادات» من قبل «التيار» التي تشير إلى أنّ عدم إدراج قانون الانتخاب على جدول الأعمال قد لا يحول دون المشاركة، وقد يتمّ الاكتفاء بمشروع قانون استعادة الجنسية دون غيره.

الأمر نفسه يسري على الحكومة «السلامية»، التي كان «التيار» واضحًا في رفض المشاركة في أيّ من اجتماعاتها قبل تصحيح «خطيئة» التمديد للقيادات الأمنية، حيث لم يكتفِ برفع شعار «التعيينات الأمنية أولاً»، بل ذهب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لحدّ القول أنّ لا عودة إلى الحكومة قبل تعيين قائدٍ للجيش. إلا أنّ التكتل عاد هذا الأسبوع، وأعلن استعداده للمشاركة في أيّ جلسةٍ حكوميّة تُخصَّص لملف النفايات حصرًا.

«هو انقلابٌ بكلّ ما للكلمة من معنى»، هكذا تقرأ مصادر في قوى الرابع عشر من آذار مواقف «الوطنيّ الحرّ» الأخيرة. وعلى الرغم من إقرارها بـ«إيجابيّتها»، وتمنّيها أن تترجَم على الأرض بالمزيد من الإيجابية لوقف «دوامة التعطيل» التي يتحمّل «التيار» بغطاء «حزب الله» المسؤولية الكاملة عنها، خصوصًا في ملف الانتخابات الرئاسية «المجمّدة» وفق منطق «عون أو لا أحد» الاستئثاري، إلا أنّها تراها مستغرَبة جملةً وتفصيلاً للكثير من الاعتبارات.

وانطلاقاً من هنا، لا تتردّد هذه المصادر في «الشماتة» من «الانعطافة العونيّة»، حيث تسأل عمّا إذا كان «التيار» قد حقّق شيئاً من مطالبه حتى «يهادن» حلفاء حلفائه وخصومه دفعة واحدة، وتسأل: «هل انتُخِب عون رئيسًا للجمهورية فأراد مكافأة ناخبيه على الموافقة على انتخابه أخيراً بعد طول عناء؟ وهل عُيّن صهره العميد شامل روكز قائدًا للجيش، أو على الأقل وافق معرقلو تسوية الترقيات على ترقيته فعاد إلى السلك العسكري معزّزاً مكرّماً؟ وهل أقرّ قانون الانتخاب «النسبي» وفق التقسيم الذي يريده العماد عون؟» قبل أن تضيف: «قد يكون تلقّى وعودًا جديدة لا أكثر ولا أقلّ، لكنّه وعلى عكس ما يقول، لم يتعلّم من تجاربه السابقة، فاستبشر بها خيرًا».

برأي مصادر «14 آذار»، يعبّر الأمر عن «أزمةٍ» داخل «التيار» الذي تصفه بـ «المُربَك» و«المُحرَج» أمام جمهوره، خصوصًا أنّه بات واضحًا أنّه الذي يعطّل تسيير شؤونهم، عبر إصراره على رهن كلّ أمورهم وإخضاعها لمعادلة تحقيق شروطٍ آنية مرتبطة بمصالح شخصيّة لا تخرج عن نطاق عائلته الضيّقة، وبالتالي فهو يحاول اليوم أن ينكر هذه «التهمة»، ويوحي بأنّه «مَرِنٌ عند الجدّ»، ومستعدٌ لـ «التنازل» إذا كان في ذلك مصلحة للناس أولاً.

لكنّ هذه القراءة «الآذارية» لا تجد صدًى لها في داخل «التيار الوطني الحر». تؤكد مصادره أنّ من يتحدّث عن «انقلاب» أو حتى «انعطافة» لا يفقه شيئاً من الأدبيّات «العونية»، وتقول: «مواقفنا الأخيرة ليست مفاجئة ولا صادمة ولا من يحزنون، بل هي تنسجم تمامًا مع كلّ مبادئنا وثوابتنا التي نكرّرها ليلاً نهاراً». أكثر من ذلك، تعرب هذه المصادر عن استعدادها لـ «التحدّي»، قائلة: «لينبشوا أرشيف كلّ تصريحات قياديينا، وإذا وجدوا تصريحًا واحدًا فيه تخلّ عن مصالح الناس، سنكون مَدينين لهم بالاعتذار».

تشرح المصادر «العونية» الموقف من الجلسة التشريعية، لافتة إلى أنّه، منذ بدء الحديث عنها، كان «التيار» واضحًا في أنّه لا يرفض «تشريع الضرورة» في المبدأ، ولكن كان الاختلاف حول تعريفه إجرائيًا. هي تلفت إلى أنّ أحدًا لم يقل أنّ «التيار» يحصر «تشريع الضرورة» ببندي استعادة الجنسية وقانون الانتخاب، إلا أنّه كان دائمًا يعتبر أنّ طرح أحد هذين المشروعَين أو كليهما على جدول أعمال أيّ جلسةٍ تشريعية كفيلٌ بإعطائها الشرعيّة المطلوبة، وهو ما لم يحصل طيلة الفترة الماضية، في حين هناك اتجاهٌ اليوم نحو وضع قانون استعادة الجنسية على جدول الأعمال، وحتى قانون الانتخاب في حال التوصّل إلى صيغة موحّدة مشتركة بين «التيار» و«القوات اللبنانية» بشأنه، باعتبار أنّ هناك 17 مشروعًا مختلفًا، ولا إمكانية لطرحها جميعًا. أضف إلى ذلك، تقول المصادر، أنّ هناك أزمة رواتب جدية تلوح في الأفق، ولا يمكن لـ «التيار» أن «يتفرّج»، ويُحمَّل في مكانٍ ما مسؤولية عدم دفع الرواتب لموظفي القطاع العام والعسكريين.

أما الموضوع الحكوميّ، فتقول المصادر أنّ دعم «التيار» لخطة النفايات التي أقرّتها اللجنة التي ترأسها الوزير أكرم شهيب واضحٌ منذ اليوم الأول، بدليل أنّ العماد ميشال عون يوم أعلن «البيان رقم واحد» في وجه الحكومة، مشترطًا تعيين قائدٍ للجيش للمشاركة في جلساتها، لم يقل أنّه «انقلب» على هذه الخطّة، بل أكّد استمرار مساندته لها. وهي تلفت إلى أنّ مسألة المشاركة في الجلسة من عدمها كانت جدليّة، وقد استحوذت جزءًا واسعاً من النقاش في اجتماع التكتّل الأخير الذي طال أكثر من العادة، خصوصًا في ظلّ وجود وجهة نظره تقول أنّ تطبيق خطة النفايات لا تستوجب عقد جلسةٍ للحكومة، ليتمّ التوافق في النهاية على المشاركة في جلسة «يتيمة» في حال انعقادها، وذلك بالنظر لخطورة أزمة النفايات وحساسيّتها.

عمومًا، تقلّل المصادر «العونيّة» من «شماتة» قوى الرابع عشر من آذار، خصوصًا أنّ هذا النهج لم يكن يومًا محبّذًا في السياسة، وتلفت إلى أنّ «العِبرة في الرسائل والنتائج». بالنسبة للرسائل، فهي تشير إلى أنّ ما حصل، إن دلّ على شيء، فعلى أنّ «التيار» هو مفتاح كلّ المؤسسات، بل مفتاح كلّ الحلول والممرّ الإلزامي لها، بدليل أنّ المؤسسات المقفلة يمكن أن تُفتَح بقرارٍ منه، ما يعني أنّ سياسة تجاهله وتهميشه لا تنفع، وهي لا يمكن أن تكون حكيمة بشكلٍ من الأشكال. أما النتائج، فتقول المصادر أنّ الأيام المقبلة كفيلة بإظهارها، لأنّ «التيار» كان وسيبقى إلى جانب مصالح الشعب، وسيكون دائما جاهزاً لتلبية صوت هذا الشعب.

هكذا إذًا، انقسمت المواقف حول «المهادنة العونية». «التيار» يدافع عنها بوصفها «طبيعية» في ظلّ الأزمات الخطيرة التي يعانيها الوطن، وخصومه يقولون أنّها «تراجعٌ» إما بناءً على «وعودٍ» أو «ضغوطٍ»، وفي الحالتين، قد لا يكون الأمر سوى «مسكّنات» سرعان ما ينتهي مفعولها!