الأمر الوحيد الواضح في المشهد اللبناني حتى الأمس هو «واقع» التمديد للمجلس النيابي الحالي، إذ لا يوجد عاقلٌ واحد يظنّ أن بالإمكان إجراء انتخابات نيابيّة على الأراضي اللبنانيّة، أمّا ما تبقّى من «واقع لبنان اليوم» فسوادويّة تلوح في أفق مسدود يحتاجُ إما إلى معجزةٍ مذهلة تقلب الطاولة على جميع الفرقاء، وإما إلى صدامٍ عنيف وانهيارٍ سياسي يفتح ثقباً في حائطٍ مسدود بات من مصلحة الجميع الاعتراف بأنّنا وصلنا إليه، وأن اللعبة السياسيّة تجمّدت بعد نفاد كلّ نقلات حركاتها، وبكلّ تأكيد لم يعد يُجدي نفعاً تبادل الاتهام حول من أوصل لبنان إلى هذه اللحظة الحرجة، لأن هذه مسؤوليّة لم يقصّر فيها الجميع، فالدّاخل اللبناني متورّط وبشدّة ـ ومن جميع الأطراف ـ في حرب الدّاخل السوري التي بدأت ثورة مدنيّة وانتهت بفضل «جنون» النّظام الرّاغب دائماً في تدمير المنطقة في حال تعرّضه للسقوط، كأنّ «بيت الأسد» قدر «الشرق الأوسط»، وكأنّ «حزب الله» قضاء وقدر واقع على لبنان ولا منجاة له منه إلا بدمار شاملٍ ينزلُ بالجميع!!
وبصرف النّظر عن «متفرّقات» الحدث اللبناني المتنقّل اضطراباً وقلقاً من واقعة «جرود بريتال»، إلى عبوة «شبعا» التي انفجرت أثناء تفكيكها من قبل خبراء من جيش العدو الإسرائيلي ومسارعة حزب الله إلى تبنّي العمليّة وادّعائه أنّها ردّ على الاعتداء على الجيش اللبناني أول من أمس، والجيش اللبناني ليس بقاصرٍ يحتاج إلى وليّ أمرٍ هو حزب الله ليدّعي الدّفاع عنه، فيما ما فعله حزب الله بالأمس هو توسيع دائرة الجبهات التي يتشتّت عليها الجيش اللبناني، وهو بهذا يُفتّت الجيش بقدّه وقديده وعدّته وعديده، بصرف النّظر عن كلّ هذه، لا بُدّ من التوقّف عند خطورة تكرار «نوّاب» حزب الله و»قيادييه» استخدام مصطلح «تحت راية الوليّ الفقيه» أو «تحت سقف الوليّ الفقيه» بكلّ ما تعنيه هذه الجملة من تأكيد الاحتلال الإيراني الصريح للبنان «تحت راية الوليّ الفقيه»!!
قد يكون الكلام الأخطر على «جوهر الكيان اللبناني» هو ما صدر على لسان النائب نوّاف الموسوي، ففي إطار ادّعاء أن ذهاب حزب الله إلى سوريا هو « حمينا بلدنا»، كرّر الموسوي لازمة «الوليّ الفقيه» بصيغٍ عدّة، فمرة هي «ميزتين تميّزنا بهما عن غيرنا» فإذا بالميزة الأولى هي المجاهرة بأن حروب حزب الله «في مواجهة العدو الصهيوني ومنذ سنتين في مواجهة العدو التكفيري تتم تحت راية الفقيه الولي الإمام السيد الخامنئي، وأهمية الإشارة إلى ذلك هي أن قدرة القيادة على التشخيص المبكر وعلى اتخاذ القرار الصائب يمكن أن تعادل المعركة بأسرها»وإصرار حزب الله من جهة أخرى على»تأكيد ثوابت التزامنا بولاية الفقيه»!!
هذا «التحديد» الصاخب لسلطة «الوليّ الفقيه» على مصير لبنان وتوجيه فريقٍ منه بالريموت كونترول من طهران، إسقاطٌ فاضح للدستور اللبناني ولنصوصه الجوهرية الواضحة التي لا تحتاج إلى تفسير ولا تأويل، وتودي بلبنان إلى قعرِ الهاوية الإيرانيّة الذي يُمعنُ فيه حزب الله انحداراً وتدحرجاً ككرة نار تُحرق كل ما تُلامسه، وهذا الخرق الفاضح للدستور الذي لا يكترث له حزب الله، يُسقط المقدّمة التي أضيفت إلى الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري الصادر في 21-9-1990، فأسقط المادّة «أ» التي تنصّ على أنّ «لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات»، فبات لبنان وشعبه «مربوطيْن» بسلطة «الوليّ الفقيه» ورايته، برغم أنف كلّ اللبنانيين، وللمناسبة «الوليّ الفقيه» بالنسبة لإيران وحزب الله هو «وليّ أمر المسلمين»، وعليه هذا «الوليّ الفقيه» هو وليّ أمر لبنان «بالغصب والإكراه»!!