خَلُصت جولة تحليليّة لواقع أحداث المنطقة بيني وبين أحد الزملاء الأساتذة بالأمس، إلى خلاصة أولى أنّ «عاصفة الحزم» ستكون فيصلاً في كلّ ما دعونا إليه مراراً وتكراراً من وضع حدٍّ لـ»التفشّي» الإيراني الخبيث في المنطقة، وخلاصة ثانية لبنانيّة بأنّنا في النهاية سنجلس مع حزب الله لأنّه جزءٌ من النسيج اللبناني، وهذه الخلاصة لطالما خرجت عناوين كبرى، حتى من أكثر الفرقاء السياسيين خلافاً جوهرياً مع حزب الله، وقد أخذ الكلام عن «الجلوس مع حزب الله الى طاولة عامّة» حيّزاً كبيراً من تفكيري مرّات عدّة إلا أنّ أكثرها حدّة كانت بالأمس، وظلّ السؤال عالقاً: قد نجلس مع حزب الله الى طاولة واحدة، ولكن.. ما هي النتيجة؟ ألم يُجلس مع حزب الله مراراً وتكراراً، وفي كلّ المرّات انقلب حزب الله على كافة المقرّرات والاتفاقات والوعود؟!
عملياً دخلت المنطقة العربيّة لحظة مواجهة حاسمة ونهائية مع التمدّد والسيطرة الإيرانيّة لوضع حدٍّ نهائيّ لها، ونعيش أيام مخاض عسير على أرض اليمن، ولبنان، و»الشام»، والعراق، وكلّها عبثت وعاثت فيها إيران فساداً في الأرض، تحت عنوان «الصحوة الإسلاميّة»، هي لحظة تتواجه فيها «أمّتان»؛ «أمّة إيران» و»الأمّة العربية والإسلاميّة»، ونحن من دون أدنى شكّ في مكاننا الطبيعي نقف مع الأمة العربيّة لأننا جزءٌ منها، وحزب الله في موقعه الطبيعي مع «امّة إيران» لأنّه جزء منها ومن مشروعها التوسّعي الفارسي في المنطقة، والذي يعيش اليوم لحظة انكسار حقيقيّة لشوكته الكاسرة!!
وثمة سؤال يؤرقني لم أقع على إجابة له بعد، لِمَ على فريقٍ أو طائفةٍ أو مذهبٍ من اللبنانيين أن يربط مصير هذا الوطن بالأجندة الإيرانيّة، وهذا ما لمسناه قبل أيامٍ قليلة عندما وقّع نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم كتابه «الوليّ المجدّد»، وقاسم حُرٌّ في الضحك على نفسه وعلى من يتبع حزبه بكلامٍ يضع فيه المرشد الإيراني علي الخامنئي في مصافّ «العالميّة»، ولكنّه ليس حُراً أبداً في استعادة ربط مصير لبنان بـ»وليّه»، حزب الله مصرٌّ على تبعيّته والتصاقه بإيران ومشروعها تحت هذا العنوان، ولم يعد مقبولاً أن يقول: «الوليّ الفقيه يرسم السياسات العامة للأمّة في جوانبها المختلفة»، خصوصاً وأن إيران تعتبر أنّ لها ولاية بـ»الإكراه» على كلّ المسلمين وبلادهم، ونحن لسنا من «أمّة إيران»، فجوهر انتمائنا للأمّة العربيّة أصيل ـ مع ملاحظة التمييز بين كلمة «العرب» وبين المصطلح السياسي «العروبة» الذي راج في الخمسينات والستينات ومن نفس البوابة التي ترفع إيران شعارها «فلسطين» و»القدس»، فهو قناع ديكتاتوريّ عشناه في تجربتيْن فاشلتيْن للسيطرة على دولٍ عدّة والتحكّم بمصيرها، سواءً في التجربة «الناصريّة» التي أفضت إلى كوارث، والتجربة «الأسدية» التي عملت على زعزعة أمن دول ما عُرف قديماً بـ»بر الشام»، ثمّ وصلنا إلى «التجربة الخمينية» التي فرضت نفسها منذ اللحظات الأولى «وليّ أمر المنطقة»، وربما قد نكون نشهد نهايتها مع «عاصفة الحزم»…
يقول نعيم قاسم في كتابه «الوليّ المجدّد» ـ ويعني به علي الخامنئي ـ «التزم حزب الله قناعته بولاية الفقيه ولم يفرضْها على أحد، كما لا يقبل أن يَفرض عليه أحد قناعات وقواعد ما أنزل الله بها من سلطان»، وهذا الكلام فيه الكثير من «الكذب الخالص»، فحزب الله فرض على لبنان واللبنانيين «ولاية الفقيه» السياسيّة، وأقرب الأمثلة توريطه للبنان في الحرب السورية لحماية نظام الأسد بعدما تلقّى حسن نصرالله أمراً مباشراً من علي الخامنئي الذي كلّفه بهذه المهمّة المقدّسة، وأسوأ من فرض حزب الله هذه القناعة على لبنان، مقولة نعيم قاسم: «حزب الله لا يقبل أن يفرض عليه أحد قناعات وقواعد ما أنزل الله بها من سلطان»، وإذا كنا نعيش كلبنانيين في كنف الدولة ويحكمنا الدستور والقانون اللبناني ـ الذي ما أنزل الله به من سلطان ـ فكيف سنجلس يوماً ما مع حزب الله الى طاولة واحدة، فيما لا يربط بيننا وبينه أيّ شيء؟!!
مجدداً نجد أنفسنا أمام نفس «الخدعة والخديعة»، وكأنه كُتب علينا في كلّ مرة أن نعود إلى نقطة الصفر إلى البيان التأسيسي لحزب الله، أو إلى «جزئه الثاني» الذي تحكّم بمسار الحياة السياسية في لبنان تحت مسمّى «الديموقراطيّة التوافقية»!! في البيان التأسيسي لحزب الله في شباط العام 1985 [جريدة السفير 17 شباط 1985] والذي كان تحت عنوان «من نحن»، وفي تعريف واضح للهويّة: «نحن أبناء أمّة حزب الله ـ وهذا هو الحزب الوحيد الذي أقرّ قيامه الخميني في إيران، في قوله في أحد خطاباته: «هناك حزب واحد سيكون هو حزب الله، حزب الفقير» ـ التي نصر الله طليعتها في إيران وأّسّست نواة دولة الإسلام المركزية في العالم. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثّل بالوليّ الفقيه. ويتولّى كل واحد منّا مهمّته الجهاديّة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد»… عملياً نحن أمام «أمّة غير لبنانية» وبحسب تعريف الحزب لنفسه فهو جزء من «الأمة الإيرانًية» ومجدداً نقول: «أمّة حزب الله» أمّة إيرانيّة الهوية والعقيدة»، وهي «أمّة» منفصلة وقائمة بكيانها المستقل عن كلّ «الأمة اللبنانية»، ولا علاقة لها بـ»أمّة الإسلام» أو «أمّة محمّد» أو «أمّة عليّ» ولا حتى «أمّة الحسين» إلا بمقدار ما يَتناسب مع المصلحة الإيرانيّة!! لبنان واللبنانيّون ما يزالون «واقعين» في نفس الحفرة، ويبدو ـ حتى الآن ـ أن لا قومة لنا منها أبداً!!